والمثل بكسر الميم وسكون المثلثة : المساوي ؛ إما في قدر فيكون بمعنى ضعف ، وإما المساوي في صفة فيكون بمعنى شبيه وهو بوزن فعل بمعنى فاعل وهو قليل. ومنه قولهم : شبه ، وندّ ، وخدن.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥))
لما أشبع المقام أدلّة ، ومواعظ ، وتذكيرات ، مما فيه مقنع لمن نصب نفسه منصب الانتفاع والاقتناع ، ولم يظهر مع ذلك كله من أحوال القوم ما يتوسم منه نزعهم عن ضلالهم وربما أحدث ذلك في نفوس أهل العزّة منهم إعجابا بأنفسهم واغترارا بأنهم مرغوب في انضمامهم إلى جماعة المسلمين فيزيدهم ذلك الغرور قبولا لتسويل مكائد الشيطان لهم أن يعتصموا بشركهم ، ناسب أن ينبئهم الله بأنه غني عنهم وأن دينه لا يعتزّ بأمثالهم وأنه مصيّرهم إلى الفناء وآت بناس يعتز بهم الإسلام.
فالمراد ب (يا أَيُّهَا النَّاسُ) هم المشركون كما هو غالب اصطلاح القرآن ، وهم المخاطبون بقوله آنفا (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) [فاطر : ١٣] الآيات.
وقبل أن يوجه إليهم الإعلام بأن الله غنيّ عنهم وجه إليهم إعلام بأنهم الفقراء إلى الله لأن ذلك أدخل للذلة على عظمتهم من الشعور بأن الله غنيّ عنهم فإنهم يوقنون بأنهم فقراء إلى الله ولكنهم لا يوقنون بالمقصد الذي يفضي إليه علمهم بذلك ، فأريد إبلاغ ذلك إليهم لا على وجه الاستدلال ولكن على وجه قرع أسماعهم بما لم تكن تقرع به من قبل عسى أن يستفيقوا من غفلتهم ويتكعكعوا عن غرور أنفسهم ، على أنهم لا يخلو جمعهم من أصحاب عقول صالحة للوصول إلى حقائق الحق فأولئك إذا قرعت أسماعهم بما لم يكونوا يسمعونه من قبل ازدادوا يقينا بمشاهدة ما كان محجوبا عن بصائرهم بأستار الاشتغال بفتنة ضلالهم عسى أن يؤمن من هيّأه الله بفطرته للإيمان ، فمن بقي على كفره كان بقاؤه مشوبا بحيرة ومرّ طعم الحياة عنده ، فأين ما كانت تتلقاه مسامعهم من قبل تمجيدهم وتمجيد آبائهم وتمجيد آلهتهم ، ألا ترى أنهم لما عاتبوا النبي صلىاللهعليهوسلم في بعض مراجعتهم عدّوا عليه شتم آبائهم ، فحصل بهذه الآية فائدتان.
وجملة (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ) تفيد القصر لتعريف جزأيها ، أي قصر صفة الفقر على الناس المخاطبين قصرا إضافيا بالنسبة إلى الله ، أي أنتم المفتقرون إليه وليس هو بمفتقر إليكم وهذا في معنى قوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) [الزمر : ٧] المشعر بأنهم