المؤمنات.
(إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ).
استئناف بياني لأن الرسول صلىاللهعليهوسلم يخطر في نفسه التعجب من عدم تأثر أكثر المشركين بإنذاره فأجيب بإن إنذاره ينتفع به المؤمنون ومن تهيّئوا للإيمان.
وإيراد هذه الآية عقب التي قبلها يؤكد أن المقصد الأول من التي قبلها موعظة المشركين وتخويفهم ، وإبلاغ الحقيقة إليهم لاقتلاع مزاعمهم وأوهامهم في أمر البعث والحساب والجزاء. فأقبل الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم بالخطاب ليشعر بأن تلك المواعظ لم تجد فيهم وأنها إنما ينتفع بها المسلمون ، وهو أيضا يؤكد ما في الآية الأولى من التعريض بتأمين المسلمين بما اقتضاه عموم الإنذار والوعيد.
وأطلق الإنذار هنا على حصول أثره ، وهو الانكفاف أو التصديق به ، وليس المراد حقيقة الإنذار ، وهو الإخبار عن توقع مكروه لأن القرينة صادقة عن المعنى الحقيقي وهي قرينة تكرر الإنذار للمشركين الفينة بعد الفينة وما هو ببعيد عن هذه الآية ، فإن النبيصلىاللهعليهوسلم أنذر المشركين طول مدة دعوته ، فتعين أن تعلق الفعل المقصور عليه ب (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) تعلّق على معنى حصول أثر الفعل.
فالمقصود من القصر أنه قصر قلب لأن المقصود التنبيه على أن لا يظنّ النبيصلىاللهعليهوسلم انتفاع الذين لا يؤمنون بنذارته ، وإن كانت صيغة القصر صالحة لمعنى القصر الحقيقي لكن اعتبار المقام يعين اعتبار القصر الإضافي. ونظير هذه الآية قوله في سورة يس [١١](إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) وقوله : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) في سورة ق [٤٥] ، مع أن التذكير بالقرآن يعم الناس كلهم.
والغيب : ما غاب عنك ، أي الذين يخشون ربهم في خلواتهم وعند غيبتهم عن العيان ، أي الذين آمنوا حقا غير مراءين أحدا.
و (أَقامُوا الصَّلاةَ) أي لم يفرطوا في صلاة كما يؤذن به فعل الإقامة كما تقدم في أول سورة البقرة.
ولما كانت هاتان الصفتان من خصائص المسلمين صار المعنى : إنما تنذر المؤمنين ، فعدل عن استحضارهم بأشهر ألقابهم مع ما فيه من الإيجاز إلى استحضارهم بصلتين مع