ما فيهما من الإطناب ، تذرعا بذكر هاتين الصّلتين إلى الثناء عليهم بإخلاص الإيمان في الاعتقاد والعمل.
وجملة (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) تذييل جار مجرى المثل. وذكر التذييل عقب المذيل يؤذن بأن ما تضمنه المذيّل داخل في التذييل بادئ ذي بدء مثل دخول سبب العام في عمومه من أول وهلة دون أن يخص العام به ، فالمعنى : أن الذين خشوا ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة هم ممّن تزكى فانتفعوا بتزكيتهم ، فالمعنى : إنما ينتفع بالنذارة الذين يخشون ربهم بالغيب فأولئك تزكوا بها ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه.
والمقصود من القصر في قوله : (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) أن قبولهم النذارة كان لفائدة أنفسهم ، ففيه تعريض بأن الذين لم يعبئوا بنذارته تركوا تزكية أنفسهم بها فكان تركهم ضرا على أنفسهم.
وجملة (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) تكميل للتذييل ، والتعريف في (الْمَصِيرُ) للجنس ، أي المصير كله إلى الله سواء فيه مصير المتزكّي ومصير غير المتزكي ، أي وكل يجازى بما يناسبه.
وتقديم المجرور في قوله : (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) للاهتمام للتنبيه على أنه مصير إلى من اقتضى اسمه الجليل الصفات المناسبة لإقامة العدل وإفاضة الفضل مع الرعاية على الفاصلة.
[١٩ ـ ٢٣] (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣))
أربعة أمثال للمؤمنين والكافرين ، وللإيمان والكفر ، شبه الكافر بالأعمى ، والكفر بالظلمات ، والحرور والكافر بالميّت ، وشبه المؤمن بالبصير وشبه الإيمان بالنور والظل ، وشبه المؤمن بالحي تشبيه المعقول بالمحسوس. فبعد أن بيّن قلة نفع النذارة للكافرين وأنها لا ينتفع بها غير المؤمنين ضرب للفريقين أمثالا كاشفة عن اختلاف حاليهما ، وروعي في هذه الأشباه توزيعها على صفة الكافر والمؤمن ، وعلى حالة الكفر والإيمان ، وعلى أثر الإيمان وأثر الكفر.