وشبه الكفر بالموت في الانقطاع عن الأعمال والمدركات النافعة كلها وفي عدم تلقي ما يلقى إلى صاحبه فصار المؤمن شبيها بالحي مشابهة كاملة لمّا خرج من الكفر إلى الإيمان ، فكأنه بالإيمان نفخت فيه الحياة بعد الموت كما أشار إليه قوله تعالى في سورة الأنعام [١٢٢](أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) ، وكان الكافر شبيها بالميت ما دام على كفره. واكتفي بتشبيه الكافر والمؤمن في موضعين عن تشبيه الكفر والإيمان وبالعكس لتلازمهما ، وأوتي تشبيه الكافر والمؤمن في موضعين لكون وجه الشبه في الكافر والمؤمن أوضح ، وعكس ذلك في موضعين لأن وجه الشبه أوضح في الموضعين الآخرين.
(إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ [٢٢] إِلَّا نَذِيرٌ [٢٣]).
لما كان أعظم حرمان نشأ عن الكفر هو حرمان الانتفاع بأبلغ كلام وأصدقه وهو القرآن كان حال الكافر الشبيه بالموت أوضح شبها به في عدم انتفاعه بالقرآن وإعراضه عن سماعه (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٢٦] ، وكان حال المؤمنين بعكس ذلك إذ تلقّوا القرآن ودرسوه وتفقهوا فيه (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ) [الزمر : ١٨] ، وأعقب تمثيل حال المؤمنين والكافرين بحال الأحياء والأموات بتوجيه الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم معذرة له في التبليغ للفريقين ، وفي عدم قبول تبليغه لدى أحد الفريقين ، وتسلية له عن ضياع وابل نصحه في سباخ قلوب الكافرين فقيل له : إن قبول الذين قبلوا الهدى واستمعوا إليه كان بتهيئة الله تعالى نفوسهم لقبول الذكر والعلم ، وإن عدم انتفاع المعرضين بذلك هو بسبب موت قلوبهم فكأنهم الأموات في القبور وأنت لا تستطيع أن تسمع الأموات ، فجاء قوله : (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) على مقابلة قوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) مقابلة اللفّ بالنشر المرتب.
فجملة (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) تعليل لجملة (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) [فاطر : ١٨] ، لأن معنى القصر ينحلّ إلى إثبات ونفي فكان مفيدا فريقين : فريقا انتفع بالإنذار ، وفريقا لم ينتفع ، فعلل ذلك ب (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ).
وقوله : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) إشارة إلى الذين لم يشإ الله أن يسمعهم إنذارك.
واستعير (مَنْ فِي الْقُبُورِ) للذين لم تنفع فيهم النذر ، وعبر عن الأموات ب (مَنْ فِي