وغير العالم إن اهتدى بالعلماء فسعيه مثل سعي العلماء وخشيته متولدة عن خشية العلماء. قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد «والعلم دليل على الخيرات وقائد إليها ، وأقرب العلماء إلى الله أولاهم به وأكثرهم له خشية وفيما عنده رغبة».
وجملة (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) تكميل للدلالة على استغناء الله تعالى عن إيمان المشركين ولكنه يريد لهم الخير. ولما كان في هذا الوصف ضرب من الإعراض عنهم مما قد يحدث يأسا في نفوس المقاربين منهم ، ألّفت قلوبهم بإتباع وصف (عَزِيزٌ) ، بوصف (غَفُورٌ) أي فهو يقبل التوبة منهم إن تابوا إلى ما دعاهم الله إليه على أن في صفة (غَفُورٌ) حظا عظيما لأحد طرفي القصر وهم العلماء ، أي غفور لهم.
[٢٩ ، ٣٠] (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠))
استئناف لبيان جملة (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] الآية ، فالذين يتلون كتاب الله هم المراد بالعلماء ، وقد تخلّص إلى بيان فوز المؤمنين الذين اتّبعوا الذكر وخشوا الرحمن بالغيب فإن حالهم مضادّ لحال الذين لم يسمعوا القرآن وكانوا عند تذكيرهم به كحال أهل القبور لا يسمعون شيئا. فبعد أن أثنى عليهم ثناء إجماليا بقوله تعالى: (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ، وأجمل حسن جزائهم بذكر صفة (غَفُورٌ) [فاطر: ٢٨] ولذلك ختمت هذه الآية بقوله : (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) فصّل ذلك الثناء وذكرت آثاره ومنافعه.
فالمراد ب (الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) المؤمنون به لأنهم اشتهروا بذلك وعرفوا به وهم
المراد بالعلماء. قال تعالى : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) [العنكبوت : ٤٩]. وهو أيضا كناية عن إيمانهم لأنه لا يتلو الكتاب إلّا من صدّق به وتلقاه باعتناء. وتضمن هذا أنهم يكتسبون من العلم الشرعي من العقائد والأخلاق والتكاليف ، فقد أشعر الفعل المضارع بتجدد تلاوتهم فإن نزول القرآن متجدد فكلما نزل منه مقدار تلقوه وتدارسوه.
وكتاب الله القرآن وعدل عن اسمه العلم إلى اسم الجنس المضاف لاسم الجلالة لما في إضافته إليه من تعظيم شأنه.