بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١))
(وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ).
لما كان المبدأ به من أسباب ثواب المؤمنين هو تلاوتهم كتاب الله أعقب التنويه بهم بالتنويه بالقرآن للتذكير بذلك ، ولأن في التذكير بجلال القرآن وشرفه إيماء إلى علة استحقاق الذين يتلونه ما استحقوا. وابتدئ التنويه به بأنه وحي من الله إلى رسوله ، وناهيك بهذه الصلة تنويها بالكتاب ، وهو يتضمن تنويها بشأن الذي أنزل عليه من قوله : (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، ففي هذا مسرة للنبي صلىاللهعليهوسلم وبشارة له بأنه أفضل الرسل وأن كتابه أفضل الكتب.
وهذه نكتة تعريف المسند إليه باسم الموصول لما في الصلة من الإيماء إلى وجه كونه الحق الكامل ، دون الإضمار الذي هو مقتضى الظاهر بأن يقال : وهو الكتاب الحق.
فالتعريف في (الْكِتابِ) تعريف العهد.
و (مِنَ) بيانية لما في الموصول من الإبهام ، والتقدير : والكتاب الذي أوحينا إليك هو الحقّ. فقدم الموصول الذي حقه أن يقع صفة للكتاب تقديما للتشويق بالإبهام ليقع بعده التفصيل فيتمكن من الذهن فضل تمكن.
فجملة (وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) معطوفة على جملة (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) [فاطر : ٢٩] فهي مثلها في حكم الاستئناف.
وضمير (هُوَ) ضمير فصل ، وهو تأكيد لما أفاده تعريف المسند من القصر.
والتعريف في (الْحَقُ) تعريف الجنس. وأفاد تعريف الجزأين قصر المسند على المسند إليه ، أي قصر جنس الحق على (الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، وهو قصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد بحقيّة ما عداه من الكتب.
فأما الكتب غير الإلهية مثل (الزندفستا) كتاب (زرادشت) ومثل كتب الصابئة فلأنّ ما فيها من قليل الحق قد غمر بالباطل والأوهام.
وأما الكتب الإلهية كالتوراة والإنجيل وما تضمنته كتب الأنبياء كالزبور وكتاب أرميا من الوحي الإلهي ، فما شهد القرآن بحقيته فقد دخل في شهادة قوله : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، وما جاء نسخه بالقرآن فقد بين النسخ تحديد صلاحيته في القرآن. وذلك أيضا