ووجه هذا الانحصار أن هذا الاصطفاء وإيراث الكتاب جمع فضيلة الدنيا وفضل الآخرة قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل : ٩٧] ، وقال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) [النور : ٥٥].
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣))
الأظهر أنه بدل اشتمال من قوله : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر : ٣٢] فإن مما يشتمل عليه الفضل دخولهم الجنة كما علمت وتخصيص هذا الفضل من بين أصنافه لأنه أعظم الفضل لأنه أمارة على رضوان الله عنهم حين إدخالهم الجنة ، (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢].
ويجوز أن يكون استئنافا بيانيا لبيان الفضل الكبير وقد بيّن بأعظم أصنافه. والمعنى واحد.
وضمير الجماعة في (يَدْخُلُونَها) راجع إلى (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) [فاطر : ٣٢] المقسم إلى ثلاثة أقسام : ظالم ، ومقتصد ، وسابق ، أي هؤلاء كلهم يدخلون الجنة لأن المؤمنين كلهم مآلهم الجنة كما دلت عليه الأخبار التي تكاثرت. وقد روى الترمذي بسند فيه مجهولان عن أبي سعيد الخدري «أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال في هذه الآية : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) [فاطر: ٣٢] قال : «هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة». قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه. قال أبو بكر بن العربي في «العارضة» : من الناس من قال : إن هذه الأصناف الثلاثة هم الذين في سورة الواقعة [٨ ـ ١٠] : (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) ـ و (أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) ـ و (السَّابِقُونَ). وهذا فاسد لأن أصحاب المشأمة في النار الحامية ، وأصحاب سورة فاطر في جنة عالية لأن الله ذكرهم بين فاتحة وخاتمة فأما الفاتحة فهي قوله : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) [فاطر : ٣٢] فجعلهم مصطفين. ثم قال في آخرهم (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) [فاطر : ٣٣] ولا يصطفى إلّا من يدخل الجنة ، ولكن أهل الجنة ظالم لنفسه فقال : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) [فاطر : ٣٢] وهو العاصي والظالم المطلق