ما تقدم في قوله : (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)[فاطر : ٣٠].
و (الْمُقامَةِ) مصدر ميمي من أقام بالمكان إذا قطنه. والمراد : دار الخلود. وانتصب (دارَ الْمُقامَةِ) على المفعول الثاني ل (أَحَلَّنا) أي أسكننا.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ فَضْلِهِ) ابتدائية في موضع الحال من (دارَ الْمُقامَةِ).
والفضل : العطاء ، وهو أخو التفضل في أنه عطاء منّة وكرم.
ومن فضل الله أن جعل لهم الجنة جزاء على الأعمال الصالحة لأنه لو شاء لما جعل للصالحات عطاء ولكان جزاؤها مجرد السلامة من العقاب ، وكان أمر من لم يستحق الخلود في النار كفافا ، أي لا عقاب ولا ثواب فيبقى كالسوائم ، وإنما أرادوا من هذا تمام الشكر والمبالغة في التأدب.
وجملة (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) حال ثانية.
والمسّ : الإصابة في ابتداء أمرها ، والنصب : التعب من نحو شدّة حر وشدّة برد. واللغوب : الإعياء من جراء عمل أو جري.
وإعادة الفعل المنفي في قوله : (وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) لتأكيد انتفاء المسّ.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦))
مقابلة الأقسام الثلاثة للذين أورثوا الكتاب بذكر الكافرين يزيدنا يقينا بأن تلك الأقسام أقسام المؤمنين ، ومقابلة جزاء الكافرين بنار جهنم يوضح أن الجنة دار للأقسام الثلاثة على تفاوت في الزمان والمكان.
وفي قوله تعالى في الكفار : (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) إيماء إلى أن نار عقاب المؤمنين خفيفة عن نار المشركين.
فجملة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) معطوفة على جملة (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) [فاطر : ٣٣].
ووقع الإخبار عن نار جهنم بأنها (لَهُمْ) بلام الاستحقاق للدلالة على أنها أعدت لجزاء أعمالهم كقوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) في سورة البقرة [٢٤] وقوله : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) في سورة آل عمران