ما أعرب عنه قول أبي خراش الهذلي خالطا فيه الجد بالهزل :
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل |
|
سوى العدل شيئا فاستراح العواذل |
فإنهم كانوا إذا لقوا النبي صلىاللهعليهوسلم أشرقت عليهم أنوار النبوءة فملأتهم حكمة وتقوى. وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم لأحد أصحابه : «لو كنتم في بيوتكم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة بأجنحتها». وبفضل ذلك ساسوا الأمة وافتتحوا الممالك وأقاموا العدل بين الناس مسلمهم وذمّيهم ومعاهدهم وملئوا أعين ملوك الأرض مهابة. وعلى هذا المحمل حمل (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) في سورة الحج [٥٤] ويؤيده قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ) في سورة الروم [٥٦].
وجملة (وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) في موضع المعطوف على المفعول الثاني ل (يَرَى). والمعنى : يرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هاديا إلى العزيز الحميد ، وهو من عطف الفعل على الاسم الذي فيه مادة الاشتقاق وهو (الْحَقَ) فإن المصدر في قوة الفعل لأنه إما مشتق أو هو أصل الاشتقاق. والعدول عن الوصف إلى صيغة المضارع لإشعارها بتجدد الهداية وتكررها. وإيثار وصفي (الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) هنا دون بقية الأسماء الحسنى إيماء إلى أن المؤمنين حين يؤمنون بأن القرآن هو الحق والهداية استشعروا من الإيمان أنه صراط يبلغ به إلى العزة قال تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: ٨] ، ويبلغ إلى الحمد ، أي الخصال الموجبة للحمد ، وهي الكمالات من الفضائل والفواضل.
[٧ ، ٨] (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨))
انتقال إلى قولة أخرى من شناعة أهل الشرك معطوفة على (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) [سبأ : ٣]. وهذا القول قائم مقام الاستدلال على القول الأول لأن قولهم (لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) دعوى وقولهم : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) مستند تلك الدعوى ، ولذلك حكي بمثل الأسلوب الذي حكيت به الدعوى في المسند والمسند إليه.
وأدمجوا في الاستدلال التعجيب من الذي يأتي بنقيض دليلهم ، ثم إرداف ذلك