الآية : أنهم لمّا وصفوا بالكفر ابتداء ثم أخبر بأن كفرهم يزيدهم مقتا علم أن المراد بكفرهم الثاني الدوام على الكفر يوما بعد يوم ، وقد كان المشركون يتكبّرون على المسلمين ويشاقونهم ويؤيسونهم من الطماعية في أن يقبلوا الإسلام بأنهم أعظم من أن يتبعوهم وأنهم لا يفارقون دين آبائهم ، ويحسبون ذلك مقتا منهم للمسلمين فجازاهم الله بزيادة المقت على استمرار الكفر ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) [غافر : ١٠] ، يعني : ينادون في المحشر ، وكذلك القول في معنى قوله : (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً).
والخسار : مصدر خسر مثل الخسارة ، وهو : نقصان التجارة. واستعير لخيبة العمل ؛ شبه عملهم في الكفر بعمل التاجر والخاسر ، أي الذي بارت سلعته فباع بأقل مما اشتراها به فأصابه الخسار فكلما زاد بيعا زادت خسارته حتى تفضي به إلى الإفلاس ، وقد تقدم ذلك في آيات كثيرة منها ما في سورة البقرة.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠))
لم يزل الكلام موجها لخطاب النبي صلىاللهعليهوسلم.
ولما جرى ذكر المشركين وتعنتهم وحسبان أنهم مقتوا المسلمين عاد إلى الاحتجاج عليهم في بطلان إلهية آلهتهم بحجة أنها لا يوجد في الأرض شيء يدّعي أنها خلقته ، ولا في السماوات شيء لها فيه شرك مع الله فأمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يحاجهم ويوجه الخطاب إليهم بانتفاء صفة الإلهية عن أصنامهم ، وذلك بعد أن نفى استحقاقها لعبادتهم بأنها لا ترزقهم كما في أول السورة ، وبعد أن أثبت الله التصرف في مظاهر الأحداث الجوية والأرضية واختلاف أحوالها من قوله : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ) [فاطر : ٩] ، وذكرهم بخلقهم وخلق أصلهم وقال عقب ذلك (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) [فاطر : ١٣] الآية عاد إلى بطلان إلهية الأصنام.
وبنيت الحجة على مقدمة مشاهدة انتفاء خصائص الإلهية عن الأصنام ، وهي خصوصية خلق الموجودات وانتفاء الحجة النقلية بطريقة الاستفهام التقريري في قوله : (أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ) يعني : إن كنتم رأيتموهم فلا سبيل لكم إلّا الإقرار بأنهم لم يخلقوا شيئا.