فأما قراءة الجمع فوجهها أن شأن الكتاب أن يشتمل على أحكام عديدة ومواعظ مكررة ليتقرر المراد من إيتاء الكتب من الدلالة القاطعة بحيث لا تحتمل تأويلا ولا مبالغة ولا نحوها على حدّ قول علماء الأصول في دلالة الأخبار المتواترة دلالة قطعية ، وأما قراءة الإفراد فالمراد منها جنس البينة الصادق بأفراد كثيرة.
ووصف البينات أو البينة ب (مِنْهُ) للدلالة على أن المراد كون الكتاب المفروض إيتاؤه إياهم مشتملا على حجة لهم تثبت إلهية الأصنام. وليس مطلق كتاب يؤتونه أمارة من الله على أنه راض منهم بما هم عليه كدلالة المعجزات على صدق الرسول ، وليست الخوارق ناطقة بأنه صادق فأريد : أآتيناهم كتابا ناطقا مثل ما آتينا المسلمين القرآن.
ثم كرّ على ذلك كله الإبطال بواسطة (بَلْ) ، بأن ذلك كله منتف وأنهم لا باعث لهم على مزاعمهم الباطلة إلّا وعد بعضهم بعضا مواعيد كاذبة يغرّ بعضهم بها بعضا.
والمراد بالذين يعدونهم رؤساء المشركين وقادتهم بالموعودين عامتهم ودهماؤهم ، أو أريد أن كلا الفريقين واعد وموعود في الرؤساء وأئمة الكفر يعدون العامة نفع الأصنام وشفاعتها وتقريبها إلى الله ونصرها غرورا بالعامة والعامة تعد رؤساءها التصميم على الشرك قال تعالى حكاية عنهم : (إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها) [الفرقان : ٤٢].
و (إِنْ) نافية ، والاستثناء مفرّع عن جنس الوعد محذوفا.
وانتصب (غُرُوراً) على أنه صفة للمستثنى المحذوف. والتقدير : إن يعد الظالمون بعضهم بعضا وعدا إلّا وعدا غرورا.
والغرور تقدم معناه عند قوله تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) في آل عمران [١٩٦].
(إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١))
انتقال من نفي أن يكون لشركائهم خلق أو شركة تصرف في الكائنات التي في السماء والأرض إلى إثبات أنه تعالى هو القيّوم على السماوات والأرض لتبقيا موجودتين فهو الحافظ بقدرته نظام بقائهما. وهذا الإمساك هو الذي يعبر عنه في علم الهيئة بنظام الجاذبية بحيث لا يعتريه خلل.