الفعل فصحّ إعماله في المفعول له. والتقدير : نفروا لأجل الاستكبار في الأرض.
والاستكبار : شدة التكبر ، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل استجاب.
والأرض : موطن القوم كما في قوله تعالى : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا) [الأعراف : ٨٨] أي بلدنا ، فالتعريف في (الْأَرْضِ) للعهد. والمعنى : أنهم استكبروا في قومهم أن يتبعوا واحدا منهم.
(وَمَكْرَ السَّيِّئِ) عطف على (اسْتِكْباراً) بالوجوه الثلاثة ، وإضافة (مَكْرَ) إلى (السَّيِّئِ) من إضافة الموصوف إلى الصفة مثل : عشاء الآخرة. وأصله : أن يمكروا المكر السيّئ بقرينة قوله : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).
والمكر : إخفاء الأذى وهو سيّئ لأنه من الغدر وهو مناف للخلق الكريم ، فوصفه بالسيّئ وصف كاشف ، ولعل التنبيه إلى أنه وصف كاشف هو مقتضى إضافة الموصوف إلى الوصف لإظهار ملازمة الوصف للموصوف فلم يقل : ومكرا سيئا (ولم يرخص في المكر إلّا في الحرب لأنها مدخول فيها على مثله) أي مكرا بالنذير وأتباعه وهو مكر ذميم لأنه مقابلة المتسبب في صلاحهم بإضمار ضره.
وقد تبين كذبهم في قسمهم إذ قالوا : «لئن جاءنا نذير لنكونن أهدى منهم» وأنهم ما أرادوا به إلّا التفصّي من اللوم.
وجملة (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) تذييل أو موعظة. و (يَحِيقُ) : ينزل به شيء مكروه حاق به ، أي نزل وأحاط إحاطة سوء ، أي لا يقع أثره إلّا على أهله. وفيه حذف مضاف تقديره : ضر المكر السيّئ أو سوء المكر السيّئ كما دل عليه فعل (يَحِيقُ) ؛ فإن كان التعريف في (الْمَكْرُ) للجنس كان المراد ب «أهله» كل ماكر. وهذا هو الأنسب بموقع الجملة ومحملها على التذييل ليعم كل مكر وكل ماكر ، فيدخل فيه الماكرون بالمسلمين من المشركين ، فيكون القصر الذي في الجملة قصرا ادعائيا مبنيّا على عدم الاعتداد بالضر القليل الذي يحيق بالممكور به بالنسبة لما أعده الله للماكر في قدره من ملاقاة جزائه على مكره فيكون ذلك من النواميس التي قدّرها القدر لنظام هذا العالم لأن أمثال هذه المعاملات الضارة تؤول إلى ارتفاع ثقة الناس بعضهم ببعض والله بنى نظام هذا العالم على تعاون الناس بعضهم مع بعض لأن الإنسان مدني بالطبع ، فإذا لم يأمن أفراد الإنسان بعضهم بعضا تنكّر بعضهم لبعض وتبادروا الإضرار والإهلاك ليفوز كل واحد