بالماكرين دون غيرهم ، فما عدل عن ذلك إلى صيغة القصر فقد سلك طريقة الإيجاز.
وفيه أيضا حذف مضاف إذ التقدير : ولا يحيق ضر المكر السيّئ إلّا بأهله على أن في قوله : (بِأَهْلِهِ) إيجازا لأنه عوض عن أن يقال : بالذين تقلدوه. والوجه أن المساواة لم تقع في القرآن وإنما مواقعها في محادثات الناس التي لا يعبأ فيها بمراعاة آداب اللغة.
وقرأ حمزة وحده (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) بسكون الهمزة في حالة الوصل إجراء للوصل مجرى الوقف.
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً).
تفريع على جملة (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) الآية.
ويجوز أن يكون تفريعا على جملة (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) على الوجه الثاني في تعريف (الْمَكْرُ) وفي المراد ب (بِأَهْلِهِ) ، أي كما مكر الذين من قبلهم فحاق بهم مكرهم كذلك هؤلاء.
و (يَنْظُرُونَ) هنا من النظر بمعنى الانتظار. كقول ذي الرّمة :
وشعث ينظرون إلى بلال |
|
كما نظر العطاش حيا الغمام |
فقوله : «إلى» مفرد مضاف ، وهو النعمة وجمعه آلاء.
ومعنى الانتظار هنا : أنهم يستقبلون ما حلّ بالمكذبين قبلهم ، فشبه لزوم حلول العذاب بهم بالشيء المعلوم لهم المنتظر منهم على وجه الاستعارة.
والسّنّة : العادة : والأوّلون : هم السابقون من الأمم الذين كذبوا رسلهم ، بقرينة سياق الكلام. و (سُنَّتَ) مفعول (يَنْظُرُونَ) وهو على حذف مضاف. تقديره : مثل أو قياس ، وهذا كقوله تعالى : (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ) [يونس : ١٠٢].
والفاء في قوله : (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً) فاء فصيحة لأن ما قبلها لمّا ذكّر الناس بسنة الله في المكذبين أفصح عن اطّراد سنن الله تعالى في خلقه. والتقدير : إذا علموا ذلك فلن تجد لسنة الله تبديلا.
و (لَنْ) لتأكيد النفي.