والخطاب في (تَجِدُ) لغير معيّن فيعم كل مخاطب ، وبذلك يتسنّى أن يسير هذا الخبر مسير الأمثال. وفي هذا تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم وتهديد للمشركين.
والتبديل : تغيير شيء وتقدم عند قوله تعالى : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) في سورة النساء [٢].
والتحويل : نقل الشيء من مكان إلى غيره ، وكأنه مشتق من الحول وهو الجانب.
والمعنى : أنه لا تقع الكرامة في موقع العقاب ، ولا يترك عقاب الجاني. وفي هذا المعنى قول الحكماء : ما بالطبع لا يتخلف ولا يختلف.
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤))
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً).
عطف على جملة (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) [فاطر : ٤٣] استدلالا على أن مساواتهم للأولين تنذر بأن سيحل بهم ما حلّ بأولئك من نوع ما يشاهدونه من آثار استئصالهم في ديارهم.
وجملة (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) في موضع الحال ، أي كان عاقبتهم الاضمحلال مع أنهم أشد قوة من هؤلاء فيكون استئصال هؤلاء أقرب.
وجيء بهذه الحال في هذه الآية لما يفيده موقع الحال من استحضار صورة تلك القوة إيثارا للإيجاز لاقتراب ختم السورة. ولذلك لم يؤت في نظائرها بجملة الحال ولكن أتى فيها بجملة وصف في قوله في سورة غافر [٢١] : (الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) ، وفي سورة الروم [٩](الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الْأَرْضَ) حيث أوثر فيهما الإطناب بتعداد بعض مظاهر تلك القوة.
(وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً).
لما عرض وصف الأمم السابقة بأنهم أشد قوة من قريش في معرض التمثيل بالأولين تهديدا واستعدادا لتلقّي مثل عذابهم أتبع ذلك بالاحتراس عن الطماعية في النجاة من مثل عذابهم بعلة أن لهم من المنجيات ما لم يكن للأمم الخالية كزعمهم : أن لهم آلهة تمنعهم