[٢ ـ ٤] (وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤))
القسم بالقرآن كناية عن شرف قدره وتعظيمه عند الله تعالى ، وذلك هو المقصود من الآيات الأول من هذه السورة. والمقصود من هذا القسم تأكيد الخبر مع ذلك التنويه.
و (الْقُرْآنِ) علم بالغلبة على الكتاب الموحى به إلى محمد صلىاللهعليهوسلم من وقت مبعثه إلى وفاته للإعجاز والتشريع ، وقد تقدم في قوله تعالى : (وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) في سورة يونس [٦١].
و (الْحَكِيمِ) يجوز أن يكون بمعنى المحكم بفتح الكاف ، أي المجعول ذا إحكام ، والإحكام : الإتقان بماهية الشيء فيما يراد منه.
ويجوز أن يكون بمعنى صاحب الحكمة ، ووصفه بذلك مجاز عقلي لأنه محتو عليها.
وجملة (إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) جواب القسم ، وتأكيد هذا الخبر بالقسم وحرف التأكيد ولام الابتداء باعتبار كونه مرادا به التعريض بالمشركين الذين كذبوا بالرسالة فهو تأنيس للنبي صلىاللهعليهوسلم وتعريض بالمشركين ، فالتأكيد بالنسبة إليه زيادة تقرير وبالنسبة للمعنى الكنائي لرد إنكارهم ، والنكت لا تتزاحم.
(عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) خبر ثان ل (إنّ) ، أو حال من اسم (إنّ). والمقصود منه : الإيقاظ إلى عظمة شريعته بعد إثبات أنه مرسل كغيره من الرسل.
و (عَلى) للاستعلاء المجازي الذي هو بمعنى التمكّن كما تقدم في قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في سورة البقرة [٥]. وليس الغرض من الإخبار به عن المخاطب إفادة كونه على صراط مستقيم لأن ذلك معلوم حصوله من الأخبار من كونه أحد المرسلين. فقد علم أن المراد من المرسلين المرسلون من عند الله ، ولكن الغرض الجمع بين حال الرسول عليه الصلاة والسلام وبين حال دينه ليكون العلم بأن دينه صراط مستقيم علما مستقلا لا ضمنيا.
والصراط المستقيم : الهدى الموصل إلى الفوز في الآخرة ، وهو الدين الذي بعث به النبي صلىاللهعليهوسلم ، والخلق الذي لقنه الله ، شبه بطريق مستقيم لا اعوجاج فيه في أنه موثوق به في الإيصال إلى المقصود دون أن يتردد السائر فيه.