الحقائق للناظرين ، مع ما فيه من البشارة للذين يكونون عند مرضاة الله تعالى ، وذلك هو ما ورد بيانه بعد إجمالا من قوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) ، [يس : ٦] ثم تفصيلا بقوله : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) [يس : ٧] وبقوله : (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس : ١١].
فاللام في (لِتُنْذِرَ) متعلقة ب (تَنْزِيلَ) وهي لام التعليل تعليلا لإنزال القرآن.
واقتصر على الإنذار لأن أول ما ابتدئ به القوم من التبليغ إنذارهم جميعا بما تضمنته أول سورة نزلت من قوله : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦ ، ٧] الآية. وما تضمنته سورة المدثر لأن القوم جميعا كانوا على حالة لا ترضي الله تعالى فكان حالهم يقتضي الإنذار ليسرعوا إلى الإقلاع عما هم فيه مرتبكون.
والقوم الموصوفون بأنهم لم تنذر آباؤهم : إما العرب العدنانيون فإنهم مضت قرون لم يأتهم فيها نذير ، ومضى آباؤهم لم يسمعوا نذيرا ، وإنما يبتدأ عدّ آبائهم من جدّهم الأعلى في عمود نسبهم الذين تميزوا به جذما وهو عدنان ، لأنه جذم العرب المستعربة ، أو أريد أهل مكة. وإنما باشر النبي صلىاللهعليهوسلم في ابتداء بعثته دعوة أهل مكة وما حولها فكانوا هم الذين أراد الله أن يتلقّوا الدين وأن تتأصل منهم جامعة الإسلام ثم كانوا هم حملة الشريعة وأعوان الرسول صلىاللهعليهوسلم في تبليغ دعوته وتأييده. فانضمّ إليهم أهل يثرب وهم قحطانيون فكانوا أنصارا ثم تتابع إيمان قبائل العرب.
وفرع عليه قوله : (فَهُمْ غافِلُونَ) أي فتسبب على عدم إنذار آبائهم أنهم متصفون بالغفلة وصفا ثابتا ، أي فهم غافلون عما تأتي به الرسل والشرائع فهم في جهالة وغواية إذ تراكمت الضلالات فيهم عاما فعاما وجيلا فجيلا.
فهذه الحالة تشمل جميع من دعاهم النبي صلىاللهعليهوسلم سواء من آمن بعد ومن لم يؤمن.
والغفلة : صريحها الذهول عن شيء وعدم تذكره ، وهي هنا كناية عن الإهمال والإعراض عما يحق التنبيه إليه كقول النابغة :
يقول أناس يجهلون خليقتي |
|
لعلّ زيادا لا أباك غافل |
(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧))
هذا تفصيل لحال القوم الذين أرسل محمد صلىاللهعليهوسلم لينذرهم ، فهم قسمان : قسم لم تنفع