[١٣ ، ١٤] (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤))
أعقب وصف إعراضهم وغفلتهم عن الانتفاع بهدي القرآن بتهديدهم بعذاب الدنيا إذ قد جاء في آخر هذه القصة قوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) [يس : ٢٩].
والضرب مجاز مشهور في معنى الوضع والجعل ، ومنه : ضرب ختمه. وضربت بيتا ، وهو هنا في الجعل وتقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما) في سورة البقرة [٢٦].
والمعنى : اجعل أصحاب القرية والمرسلين إليهم شبها لأهل مكة وإرسالك إليهم.
و (لَهُمْ) يجوز أن يتعلق ب (اضْرِبْ) أي اضرب مثلا لأجلهم ، أي لأجل أن يعتبروا كقوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [الروم : ٢٨]. ويجوز أن يكون (لَهُمْ) صفة ل (مثل) ، أي اضرب شبيها لهم كقوله تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ) [النحل : ٧٤].
والمثل : الشبيه ، فقوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً) معناه ونظّر مثلا ، أي شبّه حالهم في تكذيبهم بك بشبيه من السابقين ، ولما غلب المثل في المشابه في الحال وكان الضرب أعم جعل (مَثَلاً) مفعولا ل (اضْرِبْ) ، أي نظّر حالهم بمشابه فيها فحصل الاختلاف بين (اضْرِبْ) ، و (مَثَلاً) بالاعتبار. وانتصب (مَثَلاً) على الحال.
وانتصب (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) على البيان ل (مَثَلاً) ، أو بدل ، ويجوز أن يكون مفعولا أول ل (اضْرِبْ) و (مَثَلاً) مفعولا ثانيا كقوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) [النحل : ١١٢].
والمعنى : أن حال المشركين من أهل مكة كحال أصحاب القرية الممثل بهم.
و (الْقَرْيَةِ) قال المفسرون عن ابن عباس : هي (أنطاكية) وهي مدينة بالشام متاخمة لبلاد اليونان.
والمرسلون إليها قال قتادة : هم من الحواريين بعثهم عيسى عليهالسلام وكان ذلك حين رفع عيسى. وذكروا أسماءهم على اختلاف في ذلك.
وتحقيق القصة : أن عيسى عليهالسلام لم يدع إلى دينه غير بني إسرائيل ولم يكن الدين الذي أرسل به إلّا تكلمة لما اقتضت الحكمة الإلهية إكماله من شريعة التوراة ، ولكن