والاستثناء في (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) استفهام مفرغ من أخبار محذوفة فجملة (تَكْذِبُونَ) في موضع الخبر عن ضمير (أَنْتُمْ).
[١٦ ، ١٧] (قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧))
حكيت هذه المحاورة على سنن حكاية المحاورات بحكاية أقوال المتحاورين دون عطف.
و (رَبُّنا يَعْلَمُ) قسم لأنه استشهاد بالله على صدق مقالتهم ، وهو يمين قديمة انتقلها العرب في الجاهلية فقال الحارث بن عبّاد :
لم أكن من جناتها علم الل |
|
ه وإني لحرّها اليوم صالي |
ويظهر أنه كان مغلّظا عندهم لقلة وروده في كلامهم ولا يكاد يقع إلّا في مقام مهم. وهو عند علماء المسلمين يمين كسائر الأيمان فيها كفارة عند الحنث. وقال بعض علماء الحنفية : إن لهم قولا بأن الحالف به كاذبا تلزمه الردّة لأنه نسب إلى علم الله ما هو مخالف للواقع ، فآل إلى جعل علم الله جهلا. وهذا يرمي إلى التغليظ والتحذير وإلّا فكيف يكفر أحد بلوازم بعيدة.
واضطرهم إلى شدّة التوكيد بالقسم ما رأوا من تصميم كثير من أهل القرية على تكذيبهم. ويسمى هذا المقدار من التأكيد ضربا إنكاريّا.
وأما قولهم : (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فذلك وعظ وعظوا به القوم ليعلموا أنهم لا منفعة تنجرّ لهم من إيمان القوم وإعلان لهم بالتبرّؤ من عهدة بقاء القوم على الشرك وذلك من شأنه أن يثير النظر الفكري في نفوس القوم.
و (الْبَلاغُ) اسم مصدر من أبلغ إذا أوصل خبرا ، قال تعالى : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨] وقال : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ) [إبراهيم : ٥٢]. ولا يستعمل البلاغ في إيصال الذوات. والفقهاء يقولون في كراء السفن والرواحل : إن منه ما هو على البلاغ. يريدون على الوصول إلى مكان معيّن بين المكري والمكتري.
و (الْمُبِينُ) وصف للبلاغ ، أي البلاغ الواضح دلالة وهو الذي لا إيهام فيه ولا مواربة.