الواحد منهم أو الجمع فيوافقهم على ذلك جميع أهل القرية.
ثم انتقلوا إلى المطالبة بالانتهاء عن هذه الدعوة فقالوا : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) وبذلك ألجئوا (بولس) و (برنابا) إلى الخروج من أنطاكية فخرجا إلى أيقونية وظهرت كرامة (بولس) في أيقونية ثم في (لسترة) ثم في (دربة). ولم يزل اليهود في كل مدينة من هذه المدن يشاقّون الرسل ويضطهدونهم ويثيرون الناس عليهم ويلحقونهم إلى كل بلد يحلّون به ليشغبوا عليهم ، فمسّهم من ذلك عذاب وضرّ ورجم (بولس) في مدينة (لسترة) حتى حسبوا أن قد مات.
ولام (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) موطئة للقسم حكي بها ما صدر منهم من قسم بكلامهم.
(قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩))
حكي قول الرسل بما يرادفه ويؤدي معناه بأسلوب عربي تعريضا بأهل الشرك من قريش الذين ضربت القرية مثلا لهم ، فالرسل لم يذكروا مادة الطيرة والطير وإنما أتوا بما يدل على أن شؤم القوم متصل بذواتهم لا جاء من المرسلين إليهم فحكي بما يوافقه في كلام العرب تعريضا بمشركي مكة وهذا بمنزلة التجريد لضرب المثل لهم بأن لوحظ في حكاية القصة ما هو من شئون المشبّهين بأصحاب القصة.
ولما كانت الطيرة بمعنى الشؤم مشتقة من اسم الطير لوحظ فيها مادة الاشتقاق.
وقد جاء إطلاق الطائر على معنى الشؤم في قوله تعالى في سورة الأعراف [١٣١] :(أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ) على طريقة المشاكلة.
ومعنى (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) الطائر الذي تنسبون إليه الشؤم هو معكم ، أي في نفوسكم ، أرادوا أنكم لو تدبرتم لوجدتم أن سبب ما سميتموه شؤما هو كفركم وسوء سمعكم للمواعظ ، فإن الذين استمعوا أحسن القول اتبعوه ولم يعتدوا عليكم ، وأنتم الذين آثرتم الفتنة وأسعرتم البغضاء والإحن فلا جرم أنتم سبب سوء الحالة التي حدثت في المدينة.
وأشار آخر كلامهم إلى هذا إذ قالوا : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) بطريقة الاستفهام الإنكاري الداخل على (إِنْ) الشرطية ، فهو استفهام على محذوف دلّ عليه الكلام السابق ، وقيّد ذلك المحذوف بالشرط الذي حذف جوابه أيضا استغناء عنه بالاستفهام عنه ، وهما بمعنى واحد ، إلا أن سيبويه يرجّح إذا اجتمع الاستفهام والشرط أن يؤتى بما يناسب الاستفهام