لو صرح به ، فكذلك لمّا حذف يكون المقدّر مناسبا للاستفهام. والتقدير : أتتشاءمون بالتذكير إن ذكرتم ، لما يدل عليه قول أهل القرية (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) [يس : ١٨] ، أي بكلامكم وأبطلوا أن يكون الشؤم من تذكيرهم بقولهم : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) أي لا طيرة فيما زعمتم ولكنكم قوم كافرون غشيت عقولكم الأوهام فظننتم ما فيه نفعكم ضرّا لكم ، ونطتم الأشياء بغير أسبابها من إغراقكم في الجهالة والكفر وفساد الاعتقاد. ومن إسرافكم اعتقادكم بالشؤم والبخت.
وقرأ الجمهور (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) بهمزة استفهام داخلة على (إِنْ) المكسورة الهمزة الشرطية وتشديد الكاف. وقرأه أبو جعفر أأن ذكرتم بفتح كلتا الهمزتين وبتخفيف الكاف من (ذُكِّرْتُمْ). والاستفهام تقرير ، أي ألأجل إن ذكرنا أسماءكم حين دعوناكم حلّ الشؤم بينكم كناية عن كونهم أهلا لأن تكون أسماؤهم شؤما.
وفي ذكر كلمة (قَوْمٌ) إيذان بأن الإسراف متمكن منهم وبه قوام قوميتهم كما تقدم في قوله : (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤].
[٢٠ ـ ٢٥] (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥))
عطف على قصة التحاور الجاري بين أصحاب القرية والرسل الثلاثة لبيان البون بين حال المعاندين من أهل القرية وحال الرجل المؤمن منهم الذي وعظهم بموعظة بالغة وهو من نفر قليل من أهل القرية.
فلك أن تجعل جملة (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ) عطفا على جملة (جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) [يس : ١٣] ولك أن تجعلها عطفا على جملة (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) [يس : ١٤].
والمراد بالمدينة هنا نفس القرية المذكورة في قوله : (أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) [يس : ١٣] عبر عنها هنا بالمدينة تفننا ، فيكون (أَقْصَا) صفة لمحذوف هو المضاف في المعنى إلى المدينة. والتقدير : من بعيد المدينة ، أي طرف المدينة ، وفائدة ذكر أنه جاء من أقصى المدينة الإشارة إلى أن الإيمان بالله ظهر في أهل ربض المدينة قبل ظهوره في قلب المدينة