وأدخلت الباء على مفعول (يَعْلَمُونَ) لتضمينه معنى : يخبرون ، لأنه لا مطمع في أن يحصل لهم علم ذلك بالنظر والاستدلال.
و (ما) من قوله : (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) مصدرية ، أي يعلمون بغفران ربي وجعله إياي من المكرمين.
والمراد بالمكرمين : الذين تلحقهم كرامة الله تعالى وهم الملائكة والأنبياء وأفضل الصالحين قال تعالى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] يعني الملائكة وعيسىعليهمالسلام.
[٢٨ ، ٢٩] (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩))
رجوع إلى قصة أصحاب القرية بعد أن انقطع الحديث عنهم بذكر الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ناصحا لهم وكان هذا الرجوع بمناسبة أن القوم قوم ذلك الرجل.
فجملة (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ) إلخ عطف على جملة (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) [يس: ٢٦] فهي مستأنفة أيضا استئنافا بيانيا لأن السامع يتشوف إلى معرفة ما كان من هذا الرجل ومن أمر قومه الذين نصحهم فلم ينتصحوا فلما بيّن للسامع ما كان من أمره عطف عليه بيان ما كان من أمر القوم بعده.
وافتتاح قصة عقابهم في الدنيا بنفي صورة من صور الانتقام تمهيد للمقصود من أنهم ما حلّ بهم إلّا مثل ما حلّ بأمثالهم من عذاب الاستئصال ، أي لم ننزل جنودا من السماء مخلوقة لقتال قومه ، أو لم ننزل جنودا من الملائكة من السماء لإهلاكهم ، وما كانت عقوبتهم إلّا صيحة واحدة من ملك واحد أهلكتهم جميعا.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ بَعْدِهِ) مزيدة في الظرف لتأكيد اتصال المظروف بالظرف وأصلها (مِنْ) الابتدائية ، وإضافة بعد إلى ضمير الرجل على تقدير مضاف شائع الحذف ، أي بعد موته كقوله تعالى : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)[البقرة : ١٣٣].
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ جُنْدٍ) مؤكدة لعموم (جُنْدٍ) في سياق النفي ، و (مِنْ) في قوله : (مِنَ السَّماءِ) ابتدائية وفي الإتيان بحرف (مِنْ) ثلاث مرات مع اختلاف المعنى