تَجْرِي) أي ذلك الجري ، وإما منه ومن قوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) [يس : ٣٧] أي ذلك المذكور من تعاقب الليل والنهار.
وذكر صفتي (الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) لمناسبة معناهما للتعلق بنظام سير الكواكب ، فالعزة تناسب تسخير هذا الكوكب العظيم ، والعلم يناسب النظام البديع الدقيق ، وتقدم تفصيله عند قوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) في سورة الفرقان [٦١].
(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩))
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وروح عن يعقوب برفع (وَالْقَمَرَ) فهو إما معطوف على (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) [يس : ٣٨] عطف المفردات ، وإما مبتدأ والعطف من عطف الجمل.
وجملة (قَدَّرْناهُ) إما حال وإما خبر. وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر ورويس عن يعقوب وخلف بنصب (الْقَمَرَ) على الاشتغال فهو إذن من عطف الجمل.
وتقدّم تفسير منازل القمر عند قوله تعالى : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) في سورة يونس [٥].
والتقدير : يطلق على جعل الأشياء بقدر ونظام محكم ، ويطلق على تحديد المقدار من شيء تطلب معرفة مقداره مثل تقدير الأوقات وتقدير الكميات من الموزونات والمعدودات ، وكلا الإطلاقين مراد هنا. فإن الله قدّر للشمس والقمر نظام سيرهما وقدّر بذلك حساب الفصول السنوية والأشهر والأيام والليالي.
وعدّي فعل (قَدَّرْناهُ) إلى ضمير (الْقَمَرَ) الذي هو عبارة عن ذاته وإنما التقدير لسيره ولكن عدي التقدير إلى اسم ذاته دون ذكر المضاف مبالغة في لزوم السّير له من وقت خلقه حتى كأنّ تقدير سيره تقدير لذاته.
وانتصب (مَنازِلَ) على الظرفية المكانية مثل : سرت أميالا ، أي قدرنا سيره في منازل ينتقل بسيره فيها منزلة بعد أخرى.
و (حَتَّى) ابتدائية ، أي ليست حرف جر فإن ما بعدها جملة. ومعنى الغاية لا يفارق (حَتَّى) فآذن ما فيها من معنى الغاية بمغيّا محذوف فالغاية تستلزم ابتداء شيء. والتقدير :