وتعدية (حَمَلْنا) إلى الذريات تعدية على المفعولية المجازية وهو مجاز عقلي فإن المجاز العقلي لا يختص بالإسناد بل يكون المجاز في التعليق فإن المحمول أصول الذريات لا الذريات وأصولها ملابسة لها.
ولما كانت ذريات المخاطبين مما أراد الله بقاءه في الأرض حين أمر نوحا بصنع الفلك لإنجاء الأنواع وأمره بحمل أزواج من الناس هم الذين تولد منهم البشر بعد الطوفان نزّل البشر كله منزلة محمولين في الفلك المشحون في زمن نوح ، وذكر الذريات يقتضي أن أصولهم محمولون بطريق الكناية إيجازا في الكلام ، وأن أنفسهم محمولون كذلك كأنه قيل : إنا حملنا أصولهم وحملناهم وحملنا ذرياتهم ، إذ لو لا نجاة الأصول ما جاءت الذريّات ، وكانت الحكمة في حمل الأصول بقاء الذريات فكانت النعمة شاملة للكل ، وهذا كالامتنان في قوله : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً) [الحاقة : ١١ ، ١٢].
وضمير ذرياتهم عائد إلى ما عاد إليه ضمير (لَهُمْ) أي العباد المراد بهم المشركون من أهل مكة لكنهم لوحظوا هنا بعنوان كونهم من جملة البشر ، فالمعنى : آية لهم أنا حملنا ذريات البشر في سفينة نوح وذلك حين أمر الله نوحا بأن يحمل فيها أهله والذين آمنوا من قومه لبقاء ذريات البشر فكان ذلك حملا لذرياتهم ما تسلسلت كما تقدم آنفا.
هذا هو تأويل هذه الآية قال القرطبي : وهي من أشكل ما في السورة ، وقال ابن عطية : «قد خلط بعض الناس حتى قالوا : الذرية تطلق على الآباء وهذا لا يعرف من اللغة» وتقدم قوله : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) ذرياتهم في سورة الأعراف [١٧٢].
وقرأ نافع وابن عامر ذرياتهم بلفظ الجمع. وقرأه الباقون بدون ألف بصيغة اسم الجمع ، والمعنى واحد. وقد فهم من دلالة قوله : (أَنَّا حَمَلْنا) ذرياتهم صريحا وكناية أن هذه الآية مستمرة لكل ناظر إذ يشهدون أسفارهم وأسفار أمثالهم في البحر وخاصة سكان الشطوط والسواحل مثل أهل جدة وأهل ينبع إذ يسافرون إلى بلاد اليمن وبلاد الحبشة فيفهم منه : أنا حملنا ونحمل وسنحمل أسلافهم وأنفسهم وذرياتهم. وقد وصف طرفة السفن في معلّقته.
وجملة (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) معترضة في خلال آية البحر اقتضتها مراعاة النظير تذكيرا بنعمة خلق الإبل صالحة للأسفار فحكيت آية الإلهام بصنع الفلك من