(وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) [الأنعام : ١٣٦] فلعل من أسلم من الفقراء سألوا المشركين ما اعتادوا يعطونهم قبل إسلامهم فيقولون أعطوا مما رزقكم الله وقد سمعوا منهم كلمات إسلامية لم يكونوا يسمعونها من قبل ، وربما كانوا يحاجونهم بأن الله هو الرزاق ولا يقع في الكون كائن إلّا بإرادته فجعل المشركون يتعللون لمنعهم بالاستهزاء فيقولون: لا نطعم من لو يشاء الله لأطعمه ، وإذا كان هذا رزقناه الله فلما ذا لم يرزقكم ، فلو شاء الله لأطعمكم كما أطعمنا. وقد يقول بعضهم ذلك جهلا فإنهم كانوا يجهلون وضع صفات الله في مواضعها كما حكى الله عنهم : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ)[الزخرف : ٢٠].
وإظهار الموصول من قوله : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) في مقام الإضمار مع أن مقتضى الظاهر أن يقال : قالوا أنطعم إلخ لنكتة الإيماء إلى أن صدور هذا القول منهم إنما هو لأجل كفرهم ولأجل إيمان الذين سئل الإنفاق عليهم.
روى ابن عطية : أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمر المشركين بالإنفاق على المساكين في شدة أصابت الناس فشحّ فيها الأغنياء على المساكين ومنعوهم ما كانوا يعطونهم.
واللام في قوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يجوز أن تكون لتعدية فعل القول إلى المخاطب به أي خاطبوا المؤمنين بقولهم : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) ، ويجوز أن تكون اللام للعلة ، أي قال الذين كفروا لأجل الذين آمنوا ، أي قالوا في شأن الذين آمنوا كقوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) [آل عمران : ١٦٨] وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف : ١١] أي قالوا ذلك تعلة لعدم الإنفاق على فقراء المؤمنين.
والاستفهام في (أَنُطْعِمُ) إنكاري ، أي لا نطعم من لو شاء الله لأطعمهم بحسب اعتقادكم أن الله هو المطعم.
والتعبير في جوابهم بالإطعام مع أن المطلوب هو الإنفاق : إمّا لمجرد التفنن تجنبا لإعادة اللفظ فإن الإنفاق يراد منه الإطعام ، وإمّا لأنهم سئلوا الإنفاق وهو أعمّ من الإطعام لأنه يشمل الإكساء والإسكان فأجابوا بإمساك الطعام وهو أيسر أنواع الإنفاق ، ولأنهم كانوا يعيّرون من يشحّ بإطعام الطعام وإذا منعوا المؤمنين الطعام كان منعهم ما هو فوقه أحرى.