وجملة (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) من قول المشركين يخاطبون المؤمنين ، أي ما أنتم في قولكم : (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) وما في معناه من اعتقاد أن الله متصرف في أحوالنا إلّا متمكن منكم الضلال الواضح. وجعلوه ضلالا لجهلهم بصفات الله ، وجعلوه مبينا لأنهم يحكمون الظواهر من أسباب اكتساب المال وعدمه.
والجملة تعليل للإنكار المستفاد من الاستفهام.
[٤٨ ، ٥٠] (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠))
ذكر عقب استهزائهم بالمؤمنين لمّا منعوهم الإنفاق بعلة أن الله لو شاء لأطعمهم استهزاء آخر بالمؤمنين في تهديدهم المشركين بعذاب يحلّ بهم فكانوا يسألونهم هذا الوعد استهزاء بهم بقرينة قوله : (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، فالاستفهام مستعمل كناية عن التهكم والتكذيب. وأطلق الوعد على الإنذار والتهديد بالشر لأن الوعد أعمّ ويتعين للخير والشر بالقرينة. واسم الإشارة للوعد مستعمل في الاستخفاف بوعد العذاب كما في قول قيس بن الخطيم :
متى يأت هذا الموت لا يلف حاجة |
|
لنفسي إلّا قد قضيت قضاءها |
وإذا قد كان استهزاؤهم هذا يسوء المسلمين أعلم الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بأن الوعد واقع لا محالة وأنهم ما ينتظرون إلّا صيحة تأخذهم فلا يفلتون من أخذتها.
وفعل (يَنْظُرُونَ) مشتق من النظرة وهو الترقب ، وتقدم في قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) في سورة [الأنعام : ١٥٨].
والصيحة : الصوت الشديد الخارج من حلق الإنسان لزجر ، أو استغاثة. وأطلقت الصيحة في مواضع في القرآن على صوت الصاعقة كما في قوله تعالى في شأن ثمود : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) [الحجر : ٧٣]. فالصيحة هنا تحتمل المجاز ، أي ما ينتظرون إلّا صعقة أو نفخة عظيمة. والمراد النفخة الأولى التي ينقضي بها نظام الحياة في هذا العالم ، والأخرى تنشأ عنها النشأة الثانية وهي الحياة الأبدية ، فيكون أسلوب الكلام خارجا على الأسلوب الحكيم إعراضا عن جوابهم لأنهم لم يقصدوا حقيقة الاستفهام فأجيبوا بأن ما أعد لهم من العذاب هو الأجدر بأن ينتظروه.
ومعنى (تَأْخُذُهُمْ) تهلكهم فجأة ، شبه حلول صيحة العقاب بحلول المغيرين على