تعجبهم قولهم : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ). وهذا الكلام خبر مستعمل في لازم الفائدة وهو أنهم علموا سبب ما تعجبوا منه فبطل العجب ، فيجوز أن يكونوا يقولون ذلك كما يتكلم المتحسّر بينه وبين نفسه ، وأن يقوله بعضهم لبعض كل يظن أن صاحبه لم يتفطن للسبب فيريد أن يعلمه به.
وأتوا في التعبير عن اسم الجلالة بصفة الرحمن إكمالا للتحسر على تكذيبهم بالبعث بذكر ما كان مقارنا للبعث في تكذيبهم وهو إنكار هذا الاسم كما قال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) [الفرقان : ٦٠].
والإشارة بقوله : (هذا) إشارة إلى الحالة المرئية لجميعهم وهي حالة خروجهم من الأرض.
وجملة (وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) عطف على جملة (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) وهو مستعمل في التحسّر على أن كذبوا الرسل.
وجمع المرسلين مع أن المحكي كلام المشركين الذين يقولون (مَتى هذَا الْوَعْدُ) [يس : ٤٨] إمّا لأنهم استحضروا أن تكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوسلم كان باعثه إحالتهم أن يكون الله يرسل بشرا رسولا ، فكان ذلك لأنهم لا يصدقون أحدا يأتي برسالة من الله كما حكى عنهم قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩١] فلما تحسروا على خطئهم ذكروه بما يشمله ويشمل سببه كقوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) من سورة الشعراء [١٠٥] ، وقوله في سورة الفرقان [٣٧](وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ) ، وإما لأن ذلك القول صدر عن جميع الكفار المبعوثين من جميع الأمم فعلمت كل أمة خطأها في تكذيب رسولها وخطأ غيرها في تكذيب رسلهم فنطقوا جميعا بما يفصح عن الخطأين ، وقد مضى أن ضمير (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ) [يس : ٥٣] يجوز أن يعود على جميع الناس.
ومن المفسرين من جعل قوله : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) من كلام الملائكة يجيبون به قول الكفار (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) فهذا جواب يتضمن بيان من بعثهم مع تنديمهم على تكذيبهم به في الحياة الدنيا حين أبلغهم الرسل ذلك عن الله تعالى. واسم (الرَّحْمنُ) حينئذ من كلام الملائكة لزيادة توبيخ الكفار على تجاهلهم به في الدنيا.
(إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣))