الجزاء كما كان الرسل ينذرونكم.
وإن كان قوله : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) [يس : ٥٢] من كلام الملائكة كانت الفاء تفريعا عليه وكانت جملة (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) [يس : ٥٣] إلخ معترضة بين المفرع والمفرع عليه.
و «اليوم» ظرف وتعريفه للعهد ، وهو عهد حضور يعني يوم الجزاء. وفائدة ذكر التنويه بذلك اليوم بأنه يوم العدل.
وأشعر قوله : (لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) بالتعريض بأنهم سيلقون جزاء قاسيا لكنه عادل لا ظلم فيه لأن نفي الظلم يشعر بأن الجزاء مما يخال أنه متجاوز معادلة الجريمة ، وهو معنى (وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي إلّا على وفاق ما كنتم تعملون وعلى مقداره. وانتصب (شَيْئاً) على المفعول المطلق ، أي شيئا من الظلم.
ووقوع (نَفْسٌ) و (شَيْئاً) وهما نكرتان في سياق النفي يعمّ انتفاء كل ذلك عن كل نفس وانتفاء كل شيء من حقيقة الظلم وذلك يعمّ جميع الأنفس .. ولكن المقصود أنفس المعاقبين ، أي أن جزاءهم على حسب سيّئاتهم جزاء عادل. وإذ قد كان تقديره من الله تعالى وهو العليم بكل شيء كانت حقيقة العدل محققة في مقدار جزائهم إذ كلّ عدل غير عدل الله معرض للزيادة والنقصان في نفس الأمر ولكنه يجري على حسب اجتهاد الحاكمين ، والله لم يكلف الحاكم إلّا ببذل جهده في إصابة الحق ، ولهذا قال النبيصلىاللهعليهوسلم : «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد».
[٥٥ ـ ٥٧] (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥) هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧))
هذا من الكلام الذي يلقى من الملائكة ، والجملة مستأنفة ، وهذا مما يقال لمن حق عليهم العذاب إعلاما لهم بنزول مرتبتهم عن مراتب أهل الجنة إعلانا بالحقائق لأن ذلك عالم الحقائق وإدخالا للندامة عليهم على ما فرطوا فيه من طلب الفوز في الآخرة. وهذا يؤذن بأن أهل الجنة عجل بهم إلى النعيم قبل أن يبعث إلى النار أهلها ، وأن أهل الجنة غير حاضرين ذلك المحضر.
وتعريف (الْيَوْمَ) للعهد كما تقدم. وفائدة ذكر الظرف وهو (الْيَوْمَ) التنويه بذلك