وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) عطف على (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) فعداوته واضحة بدليل التجربة فكانت علة للنهي عن عبادة ما يأمرهم بعبادتهم.
والمعنى : إن عداوته واضحة وضوح الصراط المستقيم لأنها تقررت بين الناس وشهدت بها العصور والأجيال فإنه لم يزل يضلّ الناس إضلالا تواتر أمره وتعذر إنكاره.
والجبلّ : بكسر الجيم وكسر الموحدة وتشديد اللام كما قرأه نافع وعاصم وأبو جعفر. وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف ورويس عن يعقوب بضم الجيم وضم الباء الموحدة وتخفيف اللام. وقرأه ابن عامر وأبو بكر بضم الجيم وسكون الباء.
والجبلّ : الجمع العظيم ، وهو مشتق من الجبل بسكون الباء بمعنى الخلق. وفرع عليه توبيخهم بقلة العقول بقوله : (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) ، فالاستفهام إنكاري عن عدم كونهم يعقلون ، أي يدركون ، إذ لو كانوا يعقلون لتفطنوا إلى إيقاع الشيطان بهم في مهاوي الهلاك. وزيادة فعل الكون للإيماء إلى أن العقل لم يتكون فيهم ولا هم كائنون به.
[٦٣ ، ٦٤] (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤))
إقبال على خطاب الذين عبدوا معبودات يسوّلها لهم الشيطان ، إذ تبدو لهم جهنم بحيث يشار إليها ويعرفون أنها هي جهنّم التي كانوا في الدنيا ينذرون بها وتذكر لهم في الوعيد مدة الحياة. والأمر بقوله : (اصْلَوْهَا) مستعمل في الإهانة والتنكير.
و (اصْلَوْهَا) أمر من صلي يصلى ، إذا استدفأ بحرّ النار ، وإطلاق الصلي على الإحراق تهكّم.
والتعريف في (الْيَوْمَ) تعريف العهد ، أي هذا اليوم الحاضر وأريد به جواب ما كانوا يقولون في الحياة الدنيا من استبطاء الوعد والتكذيب إذ يقولون (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يونس : ٤٨].
والباء في (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) سببية ، أي بسبب كفركم في الدنيا.
(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥))