أو على تضمين «استبقوا» معنى ابتدروا ، أي ابتدروا الصراط متسابقين ، أي مسرعين لما دهمهم رجاء أن يصلوا إلى بيوتهم قبل أن يهلكوا فلم يبصروا الطريق. وتقدم قوله تعالى : (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ) في سورة يوسف [١٧].
و «أنّى» استفهام بمعنى (كيف) وهو مستعمل في الإنكار ، أي لا يبصرون وقد طمست أعينهم ، أي لو شئنا لعجلنا لهم عقوبة في الدنيا يرتدعون بها فيقلعوا عن إشراكهم.
والمسخ : تصيير جسم الإنسان في صورة جسم من غير نوعه ، وقد تقدم القول فيه عند قوله تعالى : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) في سورة البقرة [٦٥].
وعن ابن عباس أن الممسوخ لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام وعليه فلا شيء من الأشياء الموجودة الآن ببقية مسخ.
والمكانة : تأنيث المكان على تأويله بالبقعة كما قالوا : مقام ومقامة ، ودار ودارة ، أي لو نشاء لمسخنا الكافرين في الدنيا في مكانهم الذي أظهروا فيه التكذيب بالرسل فما استطاعوا انصرافا إلى ما خرجوا إليه ولا رجوعا إلى ما أتوا منه بل لزموا مكانهم لزوال العقل الإنساني منهم بسبب المسخ.
وكان مقتضى المقابلة أن يقال : ولا رجوعا ، ولكن عدل إلى (وَلا يَرْجِعُونَ) لرعاية الفاصلة فجعل قوله (وَلا يَرْجِعُونَ) عطفا على جملة «ما استطاعوا» وليس عطفا على (مُضِيًّا) لأن فعل استطاع لا ينصب الجمل. والتقدير : فما مضوا ولا رجعوا فجعلنا لهم العذاب في الدنيا قبل عذاب الآخرة وأرحنا منهم المؤمنين وتركناهم عبرة وموعظة لمن بعدهم.
(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨))
قد يلوح في بادئ الرأي أن موقع هذه الآية كالغريب عن السياق فيظن ظانّ أنها كلام مستأنف انتقل به من غرض الحديث عن المشركين وأحوالهم والإملاء لهم إلى التذكير بأمر عجيب من صنع الله حتى يخال أن الذي اقتضى وقوع هذه الآية في هذا الموقع أنها نزلت في تباع نزول الآيات قبلها لسبب اقتضى نزولها.
فجعل كثير من المفسرين موقعها موقع الاستدلال على أن قدرة الله تعالى لا