وقرأ نافع وابن ذكوان عن أبي عامر وأبو جعفر ا فلا تعقلون بتاء الخطاب وهو خطاب للذين وجه إليهم قوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) [يس : ٦٦] الآية. وقرأ الباقون بياء الغيبة لأن تلك الجمل الشرطية لا تخلو من مواجهة بالتعريض للمتحدث عنهم فكانوا أحرياء أن يعقلوا مغزاها ويتفهموا معناها.
[٦٩ ، ٧٠] (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠))
هذه الآية ترجع إلى ما تضمنه قوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) [يس : ٤٦] فقد بيّنا أن المراد بالآيات آيات القرآن ، فإعراضهم عن القرآن له أحوال شتى : بعضها بعدم الامتثال لما يأمرهم به من الخير مع الاستهزاء بالمسلمين وهو قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) [يس : ٤٧] الآية ، وبعضها بالتكذيب لما ينذرهم به من الجزاء ، وهو قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يس : ٤٨]. ومن إعراضهم عنه طعنهم في آيات القرآن بأقوال شتّى منها قولهم : هو قول شاعر ، فلما تصدّى القرآن لإبطال تكذيبهم بوعيد بالجزاء يوم الحشر بما تعاقب من الكلام على ذلك عاد هنا إلى طعنهم في ألفاظ القرآن من قولهم : (بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ) [الأنبياء : ٥] ، فقولهم (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) يقتضي لا محالة أنهم يقولون : القرآن شعر.
فالجملة معطوفة على جملة (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الأنبياء : ٣٨] ، عطف القصة على القصة والغرض على الغرض. ويجوز أن تكون مستأنفة استئنافا ابتدائيا ويكون الواو للاستئناف ، ولذلك اقتصر هنا على تنزيه القرآن عن أن يكون شعرا والنبي صلىاللهعليهوسلم عن أن يكون شاعرا دون التعرض لتنزيهه عن أن يكون ساحرا ، أو أن يكون مجنونا لأن الغرض الرد على إعراضهم عن القرآن ، ألا ترى أنه لما قصد إبطال مقالات لهم في القرآن قال في الآية الأخرى : (وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) [الحاقة : ٤١ ، ٤٢].
وضمير (عَلَّمْناهُ) عائد إلى معلوم من مقام الردّ وليس عائدا إلى مذكور إذ لم يتقدم له معاد.
وبني الرد عليهم على طريقة الكناية بنفي تعليم النبي صلىاللهعليهوسلم الشعر لما في ذلك من إفادة أن القرآن معلّم للنبي صلىاللهعليهوسلم من قبل الله تعالى وأنه ليس بشعر وأن النبي صلىاللهعليهوسلم ليس