والإقبال على السكر والميسر والنساء ونحو ذلك. وحسبك ما هو معلوم من قضية خلع حجر الكندي ابنه إمرأ القيس وقد قال تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) [الشعراء : ٢٢٤] الآية. فلو جاء الرسول صلىاللهعليهوسلم بالشعر أو قاله لرمقه الناس بالعين التي لا يرمق بها قدره الجليل وشرفه النبيل ، والمنظور إليه في هذا الشأن هو الغالب الشائع وإلّا فقد قال النبيصلىاللهعليهوسلم : «إن من الشعر لحكمة» وقال : «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل»
فتنزيه النبي صلىاللهعليهوسلم عن قول الشعر من قبيل حياطة معجزة القرآن وحياطة مقام الرسالة مثل تنزيهه عن معرفة الكتابة.
قال أبو بكر بن العربي : هذه الآية ليست من عيب الشعر كما لم يكن قوله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [العنكبوت : ٤٨] من عيب الخط. فلما لم تكن الأمية من عيب الخط كذلك لا يكون نفي النظم عن النبي صلىاللهعليهوسلم من عيب الشعر.
ومن أجل ما للشعر من الفائدة والتأثير في شيوع دعوة الإسلام أن أمر النبيصلىاللهعليهوسلم حسانا وعبد الله بن رواحة بقوله ، وأظهر استحسانه لكعب بن زهير حين أنشده القصيدة المشهورة : بانت سعاد.
والقول في ما صدر عن النبي صلىاللهعليهوسلم من كلام موزون مثل قوله يوم أحد :
أنا النبي لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب |
كالقول فيما وقع في القرآن من شبيه ذلك مما بيناه آنفا.
وجملة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) استئناف بياني لأن نفي الشعر عن القرآن يثير سؤال متطلب يقول : فما هو هذا الذي أوحي به إلى محمد صلىاللهعليهوسلم فكان قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) جوابا لطلبته.
وضمير (هُوَ) للقرآن المفهوم من (عَلَّمْناهُ) ، أي ليس الذي علّمه الرسول إلّا ذكرا وقرآنا أو للشيء الذي علمناه ، أي للشيء المعلّم الذي تضمنه (عَلَّمْناهُ) ، أو عائد إلى (ذِكْرٌ) في قوله : (إِلَّا ذِكْرٌ) الذي هو (مُبِينٌ). وهذا من مواضع عود الضمير على متأخر لفظا ورتبة لأن البيان كالبدل. وتقدم نظيره في قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) في سورة المؤمنين [٣٧].