وجيء بصيغة القصر المفيدة قصر الوحي على الاتصاف بالكون ذكرا وقرآنا قصر قلب ، أي ليس شعرا كما زعمتم. فحصل بذلك استقصاء الرد عليهم وتأكيد قوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) من كون القرآن شعرا.
والذكر : مصدر وصف به الكتاب المنزل على محمد صلىاللهعليهوسلم وصفا للمبالغة ، أي إن هو إلا مذكّر للناس بما نسوه أو جهلوه. وقد تقدم الكلام على الذكر عند قوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) في سورة الحجر [٦].
والقرآن : مصدر قرأ ، أطلق على اسم المفعول ، أي الكلام المقروء ، وتقدم بيانه عند قوله تعالى : (وَما تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ) في سورة يونس [٦١].
والمبين : هو الذي أبان المراد بفصاحة وبلاغة.
ويتعلق قوله : لتنذر بقوله : (عَلَّمْناهُ) باعتبار ما اتصل به من نفي كونه شعرا ثم إثبات كونه ذكرا وقرآنا ، أي لأن جملة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) بيان لما قبلها في قوة أن لو قيل : وما علمناه إلّا ذكرا وقرآنا مبينا لينذر أو لتنذر. وجعله ابن عطية متعلقا ب (مُبِينٌ).
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب لتنذر بتاء الخطاب على الالتفات من ضمير الغيبة في قوله : (عَلَّمْناهُ) إلى ضمير الخطاب. وقرأه الباقون بياء الغائب ، أي لينذر النبي الذي علمناه.
والإنذار : الإعلام بأمر يجب التوقي منه.
والحيّ : مستعار لكامل العقل وصائب الإدراك ، وهذا تشبيه بليغ ، أي من كان مثل الحي في الفهم.
والمقصود منه : التعريض بالمعرضين عن دلائل القرآن بأنهم كالأموات لا انتفاع لهم بعقولهم كقوله تعالى : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) [النمل : ٨٠].
وعطف (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) على لتنذر عطف المجاز على الحقيقة لأن اللام النائب عنه واو العطف ليس لام تعليل ولكنه لام عاقبة كاللام في قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨]. ففي الواو استعارة تبعية ، وهذا قريب من استعمال المشترك في معنييه. وفي هذه العاقبة احتباك إذ التقدير : لتنذر من كان