حيّا فيزداد حياة بامتثال الذكر فيفوز ومن كان ميتا فلا ينتفع بالإنذار فيحق عليه القول ، كما قال تعالى في أول السورة (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس : ١١] ، فجمع له بين الإنذار ابتداء والبشارة آخرا.
و (الْقَوْلُ) : هو الكلام الذي جاء بوعيد من لم ينتفعوا بإنذار الرسول صلىاللهعليهوسلم.
والمراد بالكافرين : المستمرون على كفرهم وإلّا فإن الإنذار ورد للناس أول ما ورد وكلهم من الكافرين.
وفي ذكر الإنذار عود إلى ما ابتدئت به السورة من قوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) [يس : ٦] فهو كرد العجز على الصدر ، وبذلك تمّ مجال الاستدلال عليهم وإبطال شبههم وتخلص إلى الامتنان الآتي في قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) [يس : ٧١] إلى قوله : (أَفَلا يَشْكُرُونَ) [يس : ٧٣].
[٧١ ، ٧٣] (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣))
بعد أن انقضى إبطال معاقد شرك المشركين أخذ الكلام يتطرق غرض تذكيرهم بنعم الله تعالى عليهم وكيف قابلوها بكفران النعمة وأعرضوا عن شكر المنعم وعبادته واتخذوا لعبادتهم آلهة زعما بأنها تنفعهم وتدفع عنهم وأدمج في ذلك التذكير بأن الأنعام مخلوقة بقدرة الله. فالجملة معطوفة عطف الغرض على الغرض.
والاستفهام : إنكار وتعجيب من عدم رؤيتهم شواهد النعمة ، فإن كانت الرؤية قلبية كان الإنكار جاريا على مقتضى الظاهر ، وإن كانت الرؤية بصرية فالإنكار على خلاف مقتضى الظاهر بتنزيل مشاهدتهم تلك المذكورات منزلة عدم الرؤية لعدم جريهم على مقتضى العلم بتلك المشاهدات الذي ينشأ عن رؤيتها ورؤية أحوالها ، وعلى الاحتمالين فجملة الفعل المنسبك بالمصدر سادّة مسدّ المفعولين للرؤية القلبية ، أو المصدر المنسبك منها مفعول للرؤية البصرية.
وفي خلال هذا الامتنان إدماج شيء من دلائل الانفراد بالتصرف في الخلق المبطلة لإشراكهم إياه غيره في العبادة وذلك في قوله : (أَنَّا خَلَقْنا) وقوله : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) وقوله : (وَذَلَّلْناها) وقوله : (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ) ، لأن معناه : أودعنا لهم في