والخبر كناية عن مؤاخذتهم بما يقولون ، أي إنا محصون عليهم أقوالهم وما تسرّه أنفسهم مما لا يجهرون به فنؤاخذهم بذلك كله بما يكافئه من عقابهم ونصرك عليهم ونحو ذلك. وفي قوله : (ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) تعميم لجعل التعليل تذييلا أيضا.
و «إنّ» مغنية عن فاء التسبب في مقام ورودها لمجرد الاهتمام بالتأكيد المخبر بالجملة ليست مستأنفة ولكنها مترتبة.
وقرأ نافع (يَحْزُنْكَ) بضم الياء وكسر الزاي من أحزنه إذا أدخل عليه حزنا. وقرأه الباقون بفتح الياء وضم الزاي من حزنه بفتح الزاي بمعنى أحزنه وهما بمعنى واحد.
وقدم الإسرار للاهتمام به لأنه أشدّ دلالة على إحاطة علم الله بأحوالهم ، وذكر بعده الإعلان لأنه محل الخبر ، وللدلالة على استيعاب علم الله تعالى بجزئيات الأمور وكلياتها.
والوقف عند قوله : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) مع الابتداء بقوله : (إِنَّا نَعْلَمُ) أحسن من الوصل لأنه أوضح للمعنى ، وليس بمتعيّن إذ لا يخطر ببال سامع أنهم يقولون : إن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ، ولو قالوه لما كان مما يحزن النبي صلىاللهعليهوسلم فكيف ينهى عن الحزن منه.
[٧٧ ، ٧٩] (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩))
لما أبطلت شبه المشركين في إشراكهم بعبادة الله وإحالتهم قدرته على البعث وتكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوسلم في إنبائه بذلك إبطالا كليّا ، عطف الكلام إلى جانب تسفيه أقوال جزئية لزعماء المكذبين بالبعث توبيخا لهم على وقاحتهم وكفرهم بنعمة ربهم وهم رجال من أهل مكة أحسب أنهم كانوا يموهون الدلائل ويزينون الجدال للناس ويأتون لهم بأقوال إقناعية جارية على وفق أفهام العامة ، فقيل أريد ب (الْإِنْسانُ) أبيّ بن خلف. وقيل أريد به العاصي بن وائل ، وقيل أبو جهل ، وفي ذلك روايات بأسانيد ، ولعلّ ذلك تكرر مرات تولى كلّ واحد من هؤلاء بعضها.
قالوا في الروايات : جاء أحد هؤلاء الثلاثة إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في يده عظم إنسان