يحييها لأنه أنشأها أول مرة فهو قادر على إنشائها ثاني مرة كما أنشأها أول مرة. قال تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) [الواقعة : ٦٢] ، وقال : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧].
وذيل هذا الاستدلال بجملة (وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) أي واسع العلم محيط بكل وسائل الخلق التي لا نعلمها : كالخلق من نطفة ، والخلق من ذرة ، والخلق من أجزاء النبات المغلقة كسوس الفول وسوس الخشب ، فتلك أعجب من تكوين الإنسان من عظامه.
وفي تعليق الإحياء بالعظام دلالة على أن عظام الحيّ تحلّها الحياة كلحمه ودمه ، وليست بمنزلة القصب والخشب وهو قول مالك وأبي حنيفة ولذلك تنجس عظام الحيوان الذي مات دون ذكاة. وعن الشافعي : أنّ العظم لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت. قال ابن العربي : وقد اضطرب أرباب المذاهب فيه. والصحيح ما ذكرناه ، يعني أن بعضهم نسب إلى الشافعي موافقة قول مالك وهو قول أحمد فيصير اتفاقا وعلماء الطب يثبتون الحياة في العظام والإحساس. وقال ابن زهر الحكيم الأندلسي في كتاب «التيسير» : إن جالينوس اضطرب كلامه في العظام هل لها إحساسا والذي ظهر لي أن لها إحساسا بطيئا.
(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠))
بدل من (الَّذِي أَنْشَأَها) [يس : ٧٩] بدلا مطابقا ، وإنما لم تعطف الصلة على الصلة فيكتفى بالعطف عن إعادة اسم الموصول لأن في إعادة الموصول تأكيدا للأول واهتماما بالثاني حتى تستشرف نفس السامع لتلقّي ما يرد بعده فيفطن بما في هذا الخلق من الغرابة إذ هو إيجاد الضد وهو نهاية الحرارة من ضده وهو الرطوبة. وهذا هو وجه وصف الشجر بالأخضر إذ ليس المراد من الأخضر اللون وإنما المراد لازمه وهو الرطوبة لأن الشجر أخضر اللون ما دام حيا فإذا جفّ وزالت منه الحياة استحال لونه إلى الغبرة فصارت الخضرة كناية عن رطوبة النبت وحياته. قال ذو الرمة :
ولما تمنّت تأكل الرمّ لم تدع |
|
ذوابل مما يجمعون ولا خضرا |
ووصف الشجر وهو اسم جمع شجرة وهو مؤنث المعنى ب (الْأَخْضَرِ) بدون تأنيث مراعاة للفظ الموصوف بخلوّه عن علامة تأنيث وهذه لغة أهل نجد ، وأما أهل الحجاز فيقولون : شجر خضراء على اعتبار معنى الجمع ، وقد جاء القرآن بهما في قوله : (لَآكِلُونَ