برفع الريح على أنه من عطف الجمل و (الرِّيحَ) مبتدأ و (لِسُلَيْمانَ) خبر مقدم. وقرأه أبو جعفر الرياح بصيغة الجمع منصوبا.
و (الْقِطْرِ) ـ بكسر القاف وسكون الطاء ـ النحاس المذاب. وتقدم في قوله تعالى : (قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) في سورة الكهف [٩٦].
والإسالة : جعل الشيء سائلا ، أي سائلا ، أي مائعا منبطحا في الأرض كمسيل الوادي. و (عَيْنَ الْقِطْرِ) ليست عينا حقيقة ولكنها مستعارة لمصب ما يصهر في مصانعه من النحاس حتى يكون النحاس المذاب سائلا خارجا من فساقي ونحوها من الأنابيب كما يخرج الماء من العين لشدة إصهار النحاس وتوالي إصهاره فلا يزال يسيل ليصنع له آنية وأسلحة ودرقا ، وما ذلك إلّا بإذابة وإصهار خارقين للمعتاد بقوة إلهية ، شبه الإصهار بالكهرباء أو بالألسنة النارية الزرقاء ، وذلك ما لم يؤته ملك من ملوك زمانه.
ويجوز أن يكون السيلان مستعارا لكثرة القطر كثرة تشبه كثرة ماء العيون والأنهار كقول كثيّر :
وسألت بأعناق المطي الأباطح
ويكون (أَسَلْنا) أيضا ترشيحا لاستعارة اسم العين لمعنى مذاب القطر ، ووجه الشبه الكثرة.
وقوله : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) يجوز أن يكون عطفا على جملة (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) فقوله : (مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) مبتدأ وقوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِ) خبر. و (مِنَ) في قوله : (مِنَ الْجِنِ) بيان لإبهام (مِنَ) قدم على المبيّن للاهتمام به لغرابته ، وهو في موضع الحال. ولك أن تجعل (مَنْ يَعْمَلُ) عطفا على (الرِّيحَ) في قوله : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) أي سخرنا له من يعمل بين يديه من الجن ، وتجعل جملة (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه.
ومعنى (يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) يخدمه ويطيعه. يقال : أنا بين يديك ، أي مطيع ، ولا يقتضي هذا أن يكون عملته الجنّ وحدهم بل يقتضي أن منهم عملة ، وفي آية النمل [١٧](مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ).
والزيغ : تجاوز الحد والطريق ، والمعنى : من يعص أمرنا الجاري على لسان سليمان.