مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) [الواقعة : ٥٢ ـ ٥٤].
والمراد بالشجر هنا : شجر المرخ (بفتح الميم وسكون الراء) وشجر العفار (بفتح العين المهملة وفتح الفاء) فهما شجران يقتدح بأغصانهما يؤخذ غصن من هذا وغصن من الآخر بمقدار المسواك وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار فتنقدح النار ، قيل : يجعل العفار أعلى والمرخ أسفل ، وقيل العكس لأن الجوهري وابن السيد في «المخصص» قالا : العفار هو الزّند وهو الذكر والمرخ الأنثى وهو الزندة. وقال الزمخشري في «الكشاف» : المرخ الذكر والعفار الأنثى ، والنار هي سقط الزّند ، وهو ما يخرج عند الاقتداح مشتعلا فيوضع تحته شيء قابل للالتهاب من تبن أو ثوب به زيت فتخطف فيه النار.
والمفاجأة المستفادة من (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) دالة على عجيب إلهام الله البشر لاستعمال الاقتداح بالشجر الأخضر واهتدائهم إلى خاصيته.
والإيقاد : إشعال النار يقال : أوقد ، ويقال : وقد بمعنى.
وجيء بالمسند فعلا مضارعا لإفادة تكرر ذلك واستمراره.
(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١))
عطف هذا التقرير على الاحتجاجات المتقدمة على الإنسان المعني من قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) [يس : ٧٧] ، وذلك أنه لما تبيّن الاستدلال بخلق أشياء على إمكان خلق أمثالها ارتقي في هذه الآية إلى الاستدلال بخلق مخلوقات عظيمة على إمكان خلق ما دونها.
وجيء في هذا الدليل بطريقة التقرير الذي دل عليه الاستفهام التقريري لأن هذا الدليل لوضوحه لا يسع المقرّ إلّا الإقرار به فإن البديهة قاضية بأن من خلق السماوات والأرض هو على خلق ناس بعد الموت أقدر. وإنما وجه التقرير إلى نفي المقرّر بثبوته توسعة على المقرّر إن أراد إنكارا مع تحقق أنه لا يسعه الإنكار فيكون إقراره بعد توجيه التقرير إليه على نفي المقصود ، شاهدا على أنه لا يستطيع إلّا أن يقرّ ، وأمثال هذا الاستفهام التقريري كثيرة.