وقرأ الجمهور (بِقادِرٍ) بالباء الموحدة وبألف بعد القاف وجرّ الاسم بالباء المزيدة في النفي لتأكيده. وقرأه رويس عن يعقوب بتحتية بصيغة المضارع يقدر. ولكون ذلك كذلك عقب التقرير بجواب عن المقرر بكلمة (بَلى) التي هي لنقض النفي ، أي بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم.
وضمير (مِثْلَهُمْ) عائد إلى (الْإِنْسانُ) في قوله : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ) [يس : ٧٧] على تأويله بالناس سواء كان المراد بالإنسان في قوله : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) [يس : ٧٧] شخصا معيّنا أم غير شخص ، فالمقصود هو وأمثاله من المشايعين له على اعتقاده وهم المشركون بمكة ، أي قادر على أن يخلق أمثالهم ، أي أجسادا على صورهم وشبههم لأن الأجسام المخلوقة للبعث هي أمثال الناس الذين كانوا في الدنيا مركبين من أجزائهم فإن إعادة الخلق لا يلزم أن تكون بجمع متفرق الأجسام بل يجوز كونها عن عدمها ، ولعلّ ذلك كيفيات ، فالأموات الباقية أجسادها تبثّ فيها الحياة ، والأموات الذين تفرقت أوصالهم وتفسخت يعاد تصويرها ، والأجساد التي لم تبق منها باقية تعاد أجساد على صورها لتودع فيها أرواحهم ، ألا ترى أن جسد الإنسان يتغير على حالته عند الولادة ويكبر وتتغير ملامحه ، ويجدّد كل يوم من الدم واللحم بقدر ما اضمحلّ وتبخّر ولا يعتبر ذلك التغير تبديلا لذاته فهو يحسّ بأنه هو هو والناس يميّزونه عن غيره بسبب عدم تغير الروح. وفي آيات القرآن ما يدل على هذه الأحوال للمعاد ، ولذلك اختلف علماء السنّة في أن البعث عن عدم أو عن تفريق كما أشار إليه سيف الدين الآمدي في «أبكار الأفكار» ومودعة فيها أرواحهم التي كانت تدبر أجسامهم فإن الأرواح باقية بعد فناء الأجساد.
وجملة (وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) معترضة في آخر الكلام ، والواو اعتراضية ، أي هو يخلق خلائق كثيرة وواسع العلم بأحوالهم ودقائق ترتيبها.
(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢))
هذه فذلكة الاستدلال ، وفصل المقال ، فلذلك فصلت عما قبلها كما تفصل جملة النتيجة عن جملتي القياس ، فقد نتج مما تقدم أنه تعالى إذا أراد شيئا تعلّقت قدرته بإيجاده بالأمر التكويني المعبر عن تقريبه ب (كُنْ) وهو أخصر كلمة تعبر عن الأمر بالكون ، أي الاتصاف بالوجود.
والأمر في قوله : (إِنَّما أَمْرُهُ) بمعنى الشأن لأنه المناسب لإنكارهم قدرته على إحياء