الرميم ، أي لا شأن لله في وقت إرادته تكوين كائن إلّا تقديره بأن يوجده ، فعبر عن ذلك التقدير الذي ينطاع له المقدور بقول : (كُنْ) ليعلم أن لا يباشر صنعه بيد ولا بآلة ولا بعجن مادة ما يخلق منه كما يفعل الصنّاع والمهندسون ، لأن المشركين نشأ لهم توهم استحالة المعاد من انعدام المواد فضلا عن إعدادها وتصويرها ، فالقصر إضافي لقلب اعتقادهم أنه يحتاج إلى جمع مادة وتكييفها ومضيّ مدة لإتمامها.
و (إِذا) ظرف زمان في موضع نصب على المفعول فيه ، أي حين إرادته شيئا.
وقرأ الجمهور (فَيَكُونُ) مرفوعا على تقدير : أن يقول له كن فهو يكون. وقرأه ابن عامر والكسائي بالنصب عطفا على (يَقُولَ) المنصوب.
(فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣))
الفاء فصيحة ، أي إذا ظهر كل ما سمعتم من الدلائل على عظيم قدرة الله وتفرده بالإلهية وأنه يعيدكم بعد الموت فينشأ تنزيهه عن أقوالهم في شأنه المفضية إلى نقص عظمته لأن بيده الملك الأتم لكل موجود.
والملكوت : مبالغة في الملك (بكسر الميم) فإن مادة فعلوت وردت بقلة في اللغة العربية. من ذلك قولهم : رهبوت ورحموت ، ومن أقوالهم الشبيهة بالأمثال «رهبوت خير من رحموت» أي لأن يرهبك الناس خير من أن يرحموك ، أي لأن تكون عزيزا يخشى بأسك خير من أن تكون هيّنا يرقّ لك الناس ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في سورة الأنعام [٧٥].
وجملة (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) عطف على جملة التسبيح عطف الخبر على الإنشاء فهو مما شملته الفصيحة. والمعنى : قد اتضح أنكم صائرون إليه غير خارجين من قبضة ملكه وذلك بإعادة خلقكم بعد الموت.
وتقديم (إِلَيْهِ) على (تُرْجَعُونَ) للاهتمام ورعاية الفاصلة لأنهم لم يكونوا يزعمون أن ثمة رجعة إلى غيره ولكنهم ينكرون المعاد من أصله.