واشتقاقه من الطيب ـ بكسر الطاء بوزن فعل ـ وهو الشيء الذي تعبق منه رائحة لذيذة.
وجملة (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) من تمام القول وهي مستأنفة في الكلام المقول ، أي بلدة لكم طيبة ، وتنكير (بَلْدَةٌ) للتعظيم. و (بَلْدَةٌ) مبتدأ و (طَيِّبَةٌ) نعت ل (بَلْدَةٌ) ، وخبره محذوف ، تقديره : لكم ، وعدل عن إضافة (بَلْدَةٌ) إلى ضميرهم لتكون الجملة خفيفة على اللسان فتكون بمنزلة المثل.
وجملة (وَرَبٌّ غَفُورٌ) عطف على جملة (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ).
وتنكير (رَبٌ) للتعظيم. وهو مبتدأ محذوف الخبر على وزان (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) ، والتقدير : ورب لكم ، أي ربكم غفور.
والعدول عن إضافة (رَبٌ) لضمير المخاطبين إلى تنكير (رَبٌ) وتقدير لام الاختصاص لقصد تشريفهم بهذا الاختصاص ولتكون الجملة على وزان التي قبلها طلبا للتخفيف ولتحصل المزاوجة بين الفقرتين فتسيرا مسير المثل.
ومعنى (غَفُورٌ) : متجاوز عنكم ، أي عن كفرهم الذي كانوا عليه قبل إيمان (بلقيس) بدين سليمان عليهالسلام ، ولا يعلم مقدار مدة بقائهم على الإيمان.
(فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦))
تفريع على قوله : (وَاشْكُرُوا لَهُ) [سبأ : ١٥] وقع اعتراضا بين أجزاء القصة التي بقيتها قوله : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى) [سبأ : ١٨] إلخ. وهو اعتراض بالفاء مثل قوله تعالى : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) وتقدم في سورة الأنفال [١٤].
والإعراض يقتضي سبق دعوة رسول أو نبيء ، والمعنى : أعرضوا عن الاستجابة لدعوة التوحيد بالعود إلى عبادة الشمس بعد أن أقلعوا في زمن سليمان وبلقيس ، فلعل بلقيس كانت حولتهم من عبادة الشمس فقد كانت الأمم تتبع أديان ملوكهم ، وقد قيل إن بلقيس لم تعمر بعد زيارة سليمان إلّا بضع سنين.
والإرسال : الإطلاق وهو ضد الحبس ، وتعديته بحرف (على) مؤذنة بأنه إرسال نقمة فإن سيل العرم كان محبوسا بالسد في مأرب فكانوا يرسلون منه بمقدار ما يسقون جناتهم ،