والباء في (بِما كَفَرُوا) للسببية و (ما) مصدرية ، أي بسبب كفرهم.
والكفر هو الكفر بالله ، أي إنكار إلهيته لأنهم عبدة الشمس.
والاستفهام في وهل يجازى إنكاري في معنى النفي كما دل عليه الاستثناء.
و (الْكَفُورَ) : الشديد الكفر لأنهم كانوا لا يعرفون الله ويعبدون الشمس فهم أسوأ حالا من أهل الشرك.
والمعنى : ما يجازى ذلك الجزاء إلّا الكفور لأن ذلك الجزاء عظيم في نوعه ، أي نوع العقوبات فإن العقوبة من جنس الجزاء. والمثوبة من جنس الجزاء فلما قيل (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) تعين أن المراد : وهل يجازى مثل جزائهم إلّا الكفور ، فلا يتوهم أن هذا يقتضي أن غير الكفور لا يجازى على فعله ، ولا أن الثواب لا يسمى جزاء ولا أن العاصي المؤمن لا يجازى على معصيته ، لأن تلك التوهمات كلها مندفعة بما في اسم الإشارة من بيان نوع الجزاء ، فإن الاستئصال ونحوه لا يجري على المؤمنين.
وقرأ الجمهور يجازى بياء الغائب والبناء للمجهول ورفع (الْكَفُورَ). وقرأ حمزة والكسائي بنون العظمة والبناء للفاعل ونصب (الْكَفُورَ).
(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨))
تكملة القصة بذكر نعمة بعد نعمة فإن ما تقدم لنعمة الرخاء والبهجة وطيب الإقامة ، وما هنا لنعمة الأمن وتيسير الأسفار وعمران بلادهم.
والمراد بالقرى التي بوركت قرى بلاد الشام فكانوا إذا خرجوا من مأرب إلى البلاد الشامية قوافل للتجارة وبيع الطعام سلكوا طريق تهامة ثم الحجاز ثم مشارف الشام ثم بلاد الشام ، فكانوا كلما ساروا مرحلة وجدوا قرية أو بلدا أو دارا للاستراحة واستراحوا وتزودوا. فكانوا من أجل ذلك لا يحملون معهم أزوادا إذا خرجوا من مأرب.
وهذه القرى الظاهرة يحتمل أنها تكونت من عمل الناس القاطنين حفافي الطريق السابلة بين مأرب وجلّق قصد استجلاب الانتفاع بنزول القوافل بينهم وابتياع الأزواد منهم وإيصال ما تحتاجه تلك القرى من السلع والثمار وهذه طبيعة العمران.
ويحتمل أن سبأ أقاموا مباني يأوون إليها عند كل مرحلة من مراحل أسفارهم