قوله تعالى في هذه السورة (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) [سبأ : ٩] فاقتضى أن سورة سبأ نزلت قبل سورة الإسراء وهو خلاف ترتيب جابر بن زيد الذي يعدّ الإسراء متممة الخمسين. وليس يتعين أن يكون قولهم : (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) معنيّا به هذه الآية لجواز أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم هدّدهم بذلك في موعظة أخرى.
وعدد آيها أربع وخمسون في عدّ الجمهور ، وخمس وخمسون في عدّ أهل الشام.
أغراض هذه السورة
من أغراض هذه السورة إبطال قواعد الشرك وأعظمها إشراكهم آلهة مع الله وإنكار البعث فابتدئ بدليل على انفراده تعالى بالإلهية ونفي الإلهية عن أصنامهم ونفي أن تكون الأصنام شفعاء لعبّادها.
ثم موضوع البعث ، وعن مقاتل : أن سبب نزولها أن أبا سفيان لما سمع قوله تعالى (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ) [الأحزاب : ٧٣] (الآية الأخيرة من سورة الأحزاب) قال لأصحابه : كأنّ محمدا يتوعدنا بالعذاب بعد أن نموت واللات والعزّى لا تأتينا الساعة أبدا ، فأنزل الله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) [سبأ : ٣] الآية. وعليه فما قبل الآية المذكورة من قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) [سبأ : ١ ، ٢] تمهيد للمقصود من قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ).
وإثبات إحاطة علم الله بما في السماوات وما في الأرض فما يخبر به فهو واقع ومن ذلك إثبات البعث والجزاء.
وإثبات صدق النبي فيما أخبر به ، وصدق ما جاء به القرآن وأن القرآن شهد به علماء أهل الكتاب.
وتخلل ذلك بضروب من تهديد المشركين وموعظتهم بما حل ببعض الأمم المشركين من قبل. وعرض بأن جعلهم لله شركاء كفران لنعمة الخالق فضرب لهم المثل بمن شكروا نعمة الله واتقوه فأوتوا خير الدنيا والآخرة وسخرت لهم الخيرات مثل داود وسليمان ، وبمن كفروا بالله فسلطت عليه الأرزاء في الدنيا وأعد لهم العذاب في الآخرة مثل سبأ ، وحذروا من الشيطان ، وذكّروا بأن ما هم فيه من قرّة العين يقربهم إلى الله ، وأنذروا بما