أيها المرء ولكن اقعد في رحلك فمن جاء فاقرأ عليه» ، ويقتضي ذلك إثبات رسالته بدلالة الاقتضاء إذ لا يصدق ذلك القصر إلّا إذا ثبت أصل رسالته فاقتضى ذلك الردّ على المنكرين كلهم سواء من أنكر رسالته من أصلها ومن أنكر عمومها وزعم تخصيصها.
وموقع الاستدراك بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) رفع ما يتوهم من اغترار المغترين بكثرة عدد المنكرين رسالته بأن كثرتهم تغرّ المتأمل لأنهم لا يعلمون.
ومفعول (يَعْلَمُونَ) محذوف لدلالة ما قبله عليه ، أي لا يعلمون ما بشرت به المؤمنين وما أنذرت به الكافرين ، أي يحسبون البشارة والنذارة غير صادقتين.
ويجوز أن يكون فعل (يَعْلَمُونَ) منزّل منزلة اللام مقصودا منه نفي صفة العلم عنهم على حدّ قوله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] أي ولكن أكثر الناس جاهلون قدر البشارة والنذارة.
[٢٩ ، ٣٠] (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠))
كان من أعظم ما أنكروه مما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم القيامة والبعث ولذلك عقب إبطال قولهم في إنكار الرسالة بإبطال قولهم في إنكار البعث ، والجملة معطوفة على خبر (لكِنَ) [سبأ : ٢٨]. والتقدير : ولكن أكثر الناس لا يعلمون حق البشارة والنذارة ويتهكمون فيسألون عن وقت هذا الوعد الذي هو مظهر البشارة والنذارة. ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والواو للاستئناف.
وضمير (يَقُولُونَ) عائد إلى المحاجّين من المشركين الذين صدرت عنهم هذه المقالة. وصيغة المضارع في (يَقُولُونَ) تفيد التعجيب من مقالتهم كقوله تعالى : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [هود : ٧٤] مع إفادتها تكرر ذلك القول منهم وتجدّده.
وجملة (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) إلى آخرها مسوقة مساق الجواب عن مقالتهم ولذلك فصلت ولم تعطف ، على طريقة حكاية المحاورات في القرآن ، وهذا الجواب جرى على طريقة الأسلوب الحكيم ، أي أن الأهم للعقلاء أن تتوجه هممهم إلى تحقق وقوع الوعد في الوقت الذي عينه الله له وأنه لا يؤخره شيء ولا يقدمه ، وحسّن هذا الأسلوب أن سؤالهم إنما أرادوا به الكناية عن انتفاء وقوعه.