وهذه الآية انتقال إلى ذكر طعن المشركين في القرآن وهي معطوفة على جملة (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) [سبأ : ٢٩].
والاقتصار على حكاية مقالتهم دون تعقيب بما يبطلها إيماء إلى أن بطلانها باد لكل من يسمعها حيث جمعت التكذيب بجميع الكتب والشرائع وهذا بهتان واضح.
وحكاية مقالتهم هذه بصيغة الماضي تؤذن بأنهم أقلعوا عنها.
وجيء بحرف (لَنْ) لتأكيد نفي إيمانهم بالكتب المنزلة على التأبيد تأييسا للنبيصلىاللهعليهوسلم والمسلمين من الطمع في إيمانهم به.
واسم الإشارة مشار به إلى حاضر في الأذهان لأن الخوض في القرآن شائع بين الناس من مؤيد ومنكر فكأنه مشاهد. وليس في اسم الإشارة معنى التحقير لأنهم ما كانوا ينبزون القرآن بالنقصان ، ألا ترى إلى قول الوليد بن المغيرة : «إن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق» ، وقول عبد الله بن أبيّ بعد ذلك : «لا أحسن مما تقول أيها المرء» ، وأن عتبة بن ربيعة لما قرأ عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن وقال له : «هل ترى بما أقول بأسا؟» فقال : «لا والدّماء». وكيف وقد تحداهم الإتيان بسورة مثله فلم يفعلوا ، ولو كانوا ينبزونه بنقص أو سخف لقالوا : نحن نترفع عن معالجة الإتيان بمثله.
ومعنى (بَيْنَ يَدَيْهِ) القريب منه سواء كان سابقا كقوله تعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) [سبأ : ٤٦] وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «بعثت بين يدي الساعة» (١) أم كان جائيا بعده كما حكى الله عن عيسى عليهالسلام (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) في سورة آل عمران [٥٠]. وليس مرادا هنا لأنه غير مفروض ولا مدّعى.
(وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ).
أردفت حكايات أقوالهم وكفرانهم بعد استيفاء أصنافها بذكر جزائهم وتصوير فظاعته بما في قوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ) الآية من الإبهام المفيد للتهويل. والمناسبة ما تقدم من قوله : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) [سبأ : ٢٩] فإنه بعد أن ألقمهم الحجر بقوله : (قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ) [سبأ : ٣٠] إلخ أتبعه بتصوير حالهم فيه.
والخطاب في (وَلَوْ تَرى) لكل من يصلح لتلقي الخطاب ممّن تبلغه هذه الآية ، أي
__________________
(١) رواه أحمد في «مسنده» وأبو يعلى والطبراني.