تفسير التّحرير والتّنوير [ ج ٢٢ ]

قائمة الکتاب

البحث

البحث في تفسير التّحرير والتّنوير

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

جاءَكُمْ) لأن المجيء فيه مستعمل في معنى الاقتراب منه والمخالطة له.

و (إِذْ) في قوله : (إِذْ جاءَكُمْ) مجردة عن معنى الظرفية ومحضة لكونها اسم زمان غير ظرف وهو أصل وضعها كما تقدم في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) في سورة البقرة [٣٠] ، ولهذا صحت إضافة (بَعْدَ) إليها لأن الإضافة قرينة على تجريد (إِذْ) من معنى الظرفية إلى مطلق الزمان مثل قولهم : حينئذ ويومئذ. والتقدير : بعد زمن مجيئه إياكم. و (بَلْ) إضراب إبطال عن الأمر الذي دخل عليه الاستفهام الإنكاري ، أي ما صددناكم بل كنتم مجرمين.

والإجرام : الشرك وهو مؤذن بتعمدهم إياه وتصميمهم عليه على بصيرة من أنفسهم دون تسويل مسوّل.

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣))

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً).

لم تجر حكاية هذا القول على طريقة حكاية المقاولات التي تحكى بدون عطف على حسن الاستعمال في حكاية المقاولات كما استقريناه من استعمال الكتاب المجيد وقدمناه في قوله : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة : ٣٠] الآية ، فجيء بحرف العطف في حكاية هذه المقالة مع أن المستضعفين جاوبوا بها قول الذين استكبروا (أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ) [سبأ : ٣٢] الآية لنكتة دقيقة ، وهي التنبيه على أن مقالة المستضعفين هذه هي في المعنى تكملة لمقالتهم المحكية بقوله : (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١] تنبيها على أن مقالتهم تلقّفها الذين استكبروا فابتدروها بالجواب للوجه الذي ذكرناه هنالك بحيث لو انتظروا تمام كلامهم وأبلعوهم ريقهم لحصل ما فيه إبطال كلامهم ولكنهم قاطعوا كلامهم من فرط الجزع أن يؤاخذوا بما يقوله المستضعفون.

وحكي قولهم هذا بفعل الماضي لمزاوجة كلام الذين استكبروا لأن قول الذين استضعفوا هذا بعد أن كان تكملة لقولهم الذي قاطعه المستكبرون ، انقلب جوابا عن تبرّؤ