حين علموا كذبهم وبهتانهم.
وقد حكى نظير ذلك في قوله تعالى : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) الآيتين في سورة البقرة [١٦٦].
(وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ).
يجوز أن يكون عطفا على جملة (يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) [سبأ : ٣١] فتكون حالا. ويجوز أن تعطف على جملة (إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ)[سبأ : ٣١].
وضمير الجمع عائد إلى جميع المذكورين قبل وهم الذين استضعفوا والذين استكبروا. والمعنى : أنهم كشف لهم عن العذاب المعدّ لهم ، وذلك عقب المحاورة التي جرت بينهم ، فعلموا أن ذلك الترامي الواقع بينهم لم يغن عن أحد من الفريقين شيئا ، فحينئذ أيقنوا بالخيبة وندموا على ما فات منهم في الحياة الدنيا وأسرّوا الندامة في أنفسهم ، وكأنهم أسرّوا الندامة استبقاء للطمع في صرف ذلك عنهم أو اتقاء للفضيحة بين أهل الموقف ، وقد أعلنوا بها من بعد كما في قوله تعالى : (قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها) في سورة الأنعام [٣١] ، وقوله : (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) في سورة الزمر [٥٨].
وذكر الزمخشري وابن عطية : أن من المفسرين من فسّر (أَسَرُّوا) هنا بمعنى أظهروا ، وزعم أن (أسرّ) مشترك بين ضدين. فأما الزمخشري فسلمه ولم يتعقبه وقد فسر الزوزني الإسرار بالمعنيين في قول امرئ القيس :
تجاوزت أحراسا إليها ومعشرا |
|
عليّ حراصا لو يسرّون مقتلي |
وأما ابن عطية فأنكره ، وقال : «ولم يثبت قط في اللغة أن (أسرّ) من الأضداد». قلت : وفيه نظر. وقد عد هذه الكلمة في الأضداد كثير من أهل اللغة وأنشد أبو عبيدة قول الفرزدق :
ولما رأى الحجاج جرّد سيفه |
|
أسرّ الحروري الذي كان أضمرا |
وفي كتاب «الأضداد» لأبي الطيب الحلبي قال أبو حاتم : ولا أثق بقول أبي عبيدة في القرآن ولا بقول الفرزدق والفرزدق كثير التخليط في شعره. وذكر أبو الطيب عن التّوزي أن غير أبي عبيدة أنشد بيت الفرزدق والذي جرّ على تفسير «أسرّوا» بمعنى أظهروا هنا هو ما يقتضي إعلانهم بالندامة من قولهم : (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١]. وفي