(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب : ٦٧].
ومن غرر المسائل أن الشيخ ابن عرفة لما كان عرض عليه في درس التفسير عند قوله تعالى : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) [غافر : ٧١] فسأله بعض الحاضرين : هل يستقيم أن نأخذ من هذه الآية ما يؤيد فعل الأمراء أصلحهم الله من الإتيان بالمحاربين ونحوهم مغلولين من أعناقهم مع قول مالك رحمهالله بجواز القياس في العقوبات على فعل الله تعالى (في حد الفاحشة) فأجابه الشيخ بأن لا دلالة فيها لأن مالكا إنما أجاز القياس على فعل الله في الدنيا ، وهذا من تصرفات الله في الآخرة فلا بدّ لجوازه من دليل.
(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤))
اعتراض للانتقال إلى تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم مما مني به من المشركين من أهل مكة وبخاصة ما قابله به سادتهم وكبراؤهم من التأليب عليه بتذكيره أن تلك سنة الرسل من قبله فليس في ذلك غضاضة عليه ، ولذلك قال في الآية في الزخرف (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [٢٣] إلخ ، أي وكذلك التكذيب الذي كذبك أهل هذه القرية. والتعريض بقومه الذين عادوه بتذكيرهم عاقبة أمثالهم من أهل القرى التي كذّب أهلها برسلهم وأغراهم بذلك زعماؤهم.
والمترفون : الذين أعطوا الترف ، والترف : النعيم وسعة العيش ، وهو مبني للمفعول بتقدير : إن الله أترفهم كما في قوله تعالى : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) في سورة المؤمنون [٣٣].
وفي بنائه للمفعول تعريض بالتذكير بنعمة الله عليهم لعلّهم يشكرونها ويقلعون عن الإشراك به ، وبعض أهل اللغة يقول تقديره : أترفتهم النعمة ، أي أبطرتهم.
و (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ) حكاية للقول بالمعنى : أي قال مترفو كل قرية لرسولهم : إنا بما أرسلت به كافرون. وهذا من مقابلة الجمع بالجمع التي يراد منها التوزيع على آحاد الجمع.
وقولهم : (أُرْسِلْتُمْ بِهِ) تهكم بقرينة قولهم : (كافِرُونَ) وهو كقوله تعالى : (وَقالُوا