يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] ؛ أو المعنى : إنّا بما ادّعيتم أنكم أرسلتم به.
[٣٥ ، ٣٦] (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦))
قفّوا على صريح كفرهم بالقرآن وغيره من الشرائع بكلام كنّوا به عن إبطال حقية الإسلام بدليل سفسطائي فجعلوا كثرة أموالهم وأولادهم حجة على أنهم أهل حظ عند الله تعالى ، فضمير (وَقالُوا) عائد إلى (الَّذِينَ كَفَرُوا) من قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ) [سبأ : ٣١] إلخ. وهذا من تمويه الحقائق بما يحفّ بها من العوارض فجعلوا ما حف بحالهم في كفرهم من وفرة المال والولد حجة على أنهم مظنة العناية عند الله وأن ما هم عليه هو الحق. وهذا تعريض منهم بعكس حال المسلمين بأن حال ضعف المسلمين ، وقلة عددهم ، وشظف عيشهم حجة على أنهم غير محظوظين عند الله ، ولم يتفطنوا إلى أن أحوال الدنيا مسببة على أسباب دنيوية لا علاقة لها بأحوال الأولاد. وهذا المبدأ الوهمي السفسطائي خطير في العقائد الضالة التي كانت لأهل الجاهلية والمنتشرة عند غير المسلمين ، ولا يخلو المسلمون من قريب منها في تصرفاتهم في الدين ومرجعها إلى قياس الغائب على الشاهد وهو قياس يصادف الصواب تارة ويخطئه تارات.
ومن أكبر أخطاء المسلمين في هذا الباب خطأ اللجأ إلى القضاء والقدر في أعذارهم ، وخطأ التخلق بالتوكل في تقصيرهم وتكاسلهم.
فجملة (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) عطف على جملة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ) [سبأ : ٣١] إلخ ، وقولهم : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) كالنتيجة لقولهم (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) ، وإنما جيء فيه بحرف العطف لترجيح جانب الفائدة المستقلة على جانب الاستنتاج الذي يومئ إليه ما تقدمه وهو قولهم : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) فحصل من هذا النظم استدلال لصحة دينهم ولإبطال ما جاء به الإسلام ثم الافتخار بذلك على المسلمين والضعة لجانب المسلمين بإشارة إلى قياس استثنائي بناء على ملازمة موهومة ، وكأنهم استدلوا بانتفاء التعذيب على أنهم مقرّبون عند الله بناء على قياس مساواة مطوي فكأنهم حصروا وسائل القرب عند الله في وفرة الأموال والأولاد. ولو لا هذا التأويل لخلت كلتا الجملتين عن أهم معنييهما وبه يكون موقع الجواب ب (قُلْ إِنَّ رَبِّي