وقرأ الجمهور (فِي الْغُرُفاتِ) بصيغة الجمع ، وقرأ حمزة «في الغرفة» بالإفراد.
(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨))
جرى الكلام على عادة القرآن في تعقيب الترغيب بالترهيب وعكسه ، فكان هذا بمنزلة الاعتراض بين الثناء على المؤمنين الصالحين وبين إرشادهم إلى الانتفاع بأموالهم للقرب عند الله تعالى بجملة (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) [سبأ : ٣٩] إلخ. والذين يسعون في الآيات هم المشركون بصدهم عن سماع القرآن وبالطعن فيه بالباطل واللغو عند سماعه.
والسعي مستعار للاجتهاد في العمل كقوله تعالى : (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى) [النازعات : ٢٢] وإذا عدي ب (فِي) كان في الغالب مرادا منه الاجتهاد في المضرة فمعنى (يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا) يجتهدون في إبطالها ، و (مُعاجِزِينَ) مغالبين طالبين العجز. وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) في سورة الحج [٥١].
واسم الإشارة للتنبيه على أنهم استحقوا الجحيم لأجل ما ذكر قبل اسم الإشارة مثل (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] و (فِي الْعَذابِ) خبر عن اسم الإشارة. و (مُحْضَرُونَ) هنا كناية عن الملازمة فهو ارتقاء في المعنى الذي دلت عليه أداة الظرفية من إحاطة العذاب بهم وهو خبر ثان عن اسم الإشارة ومتعلقه محذوف دل عليه الظرف وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) في سورة الروم [١٦].
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩))
أتبع إبطال أن تكون الأموال والأولاد بذاتهما وسيلة قرب لدى الله تعالى ردّا على مزاعم المشركين بما يشبه معنى الاستدراك على ذلك الإبطال من إثبات انتفاع بالمال للتقرب إلى رضى الله إن استعمل في طلب مرضاة الله تفضيلا لما أشير إليه إجمالا من أن ذلك قد يكون فيه قربة إلى الله بقوله : (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) [سبأ : ٣٧] كما تقدم.
وقوله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) تقدم نظيره قريبا تأكيدا لذلك وليبنى عليه قوله : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية. فالذي تقدم ردّ على المشركين ، والمذكور هنا ترغيب للمؤمنين ، والعبارات واحدة والمقاصد مختلفة. وهذا من