الإنفاق في سبيل الله فجعل الوعد بإخلاف ما ينفقه المرء كناية عن الترغيب في الإنفاق لأن وعد الله بإخلافه مع تأكيد الوعد يقتضي أنه يحب ذلك من المنفقين.
وأكد ذلك الوعد بصيغة الشرط وبجعل جملة الجواب اسمية وبتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي بقوله : (فَهُوَ يُخْلِفُهُ) ، ففي هذا الوعد ثلاثة مؤكدات دالة على مزيد العناية بتحقيقه لينتقل من ذلك إلى الكناية عن كونه مرغوبه تعالى.
و (مِنْ شَيْءٍ) بيان لما في (ما) من العموم ، وجملة (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) تذييل للترغيب والوعد بزيادة ، لبيان أن ما يخلفه أفضل مما أنفقه المنفق. (خَيْرُ) بمعنى أخير لأن الرزق الواصل من غيره تعالى إنما هو من فضله أجراه على يد بعض مخلوقاته فإذا كان تيسيره برضى من الله على المرزوق ووعد به كان ذلك أخلق بالبركة والدوام ، وظاهر الآية أن إخلاف الرزق يقع في الدنيا وفي الآخرة.
والمراد بالإنفاق : الإنفاق المرغب فيه في الدين كالإنفاق على الفقراء والإنفاق في سبيل الله بنصر الدين. روى مالك عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يقول الله تعالى : يا ابن آدم أنفق أنفق عليك». قال ابن العربي : قد يعوّض مثله أو أزيد ، وقد يعوض ثوابا ، وقد يدخر له وهو كالدعاء في وعد الإجابة» ا ه. قلت : وقد يعوّض صحة وقد يعوّض تعميرا. ولله في خلقه أسرار.
[٤٠ ، ٤١] (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١))
عطف على جملة (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [سبأ : ٣١] الآية استكمالا لتصوير فظاعة حالهم يوم الوعد الذي أنكروه تبعا لما وصف من حال مراجعة المستكبرين منهم والمستضعفين ؛ فوصف هنا افتضاحهم بتبرؤ الملائكة منهم وشهادتهم عليهم بأنهم يعبدون الجن.
وضمير الغيبة من نحشرهم عائد إلى ما عاد عليه ضمير (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) [سبأ : ٣٥] الذي هو عائد إلى (الَّذِينَ كَفَرُوا) من قوله : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ) [سبأ : ٣١]. والكلام كله منتظم في أحوال المشركين ، وجميع : فعيل بمعنى مفعول ، أي مجموع وكثر استعماله وصفا لإفادة شمول أفراد ما أجري هو عليه من ذوات وأحوال ، أي يجمعهم المتكلم ، قال لبيد :